يندهش العالم بقدرات الذكاء الاصطناعي التي فاقت كل التوقعات حيث باتت هذه التكنولوجيا تخدم الصناعات والانسان مع انجاز مهام كبيرة تتطلّب دقّة وسرعة. وبالنظر إلى مستقبل الذكاء الاصطناعي، أسئلة عدّة تُطرح في هذا السياق حول حقيقة وجود هذه التكنولوجيا ومصدر قوتها وهل سيكون وجودها إلى الأبد؟
تزداد المنافسة لتوظيف الذكاء الاصطناعي في الصناعات في وقت تخصص فيه الشركات الكبرى أكبر قيمة استثمارية لدعم المشاريع الناشئة ودمج الذكاء الاصطناعي فيها. وعلى رغم اعتماد التكنولوجيا المتزايد، يتفوّق عقل الانسان بقدراته على جودة الذكاء الاصطناعي وكفاءته في بعض الحالات. علمياً، يستخدم الانسان جزءاً بسيطاً من الدماغ الذي يتطوّر مع مراحل العمر ليتلقى كمية أكبر من المعلومات والأفكار وتحليلها في الوقت الآني من خلال التعلم المتواصل. يمكن لدماغ الانسان تعلّم الأشياء من النظرة الأولى دون الحاجة إلى تدريبات مسبقة مرات عدّة للتعرّف على الأشياء وتحليلها كما هو الحال مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وتشير هذه الحقائق إلى القدرات التي على الانسان اكتشافها بذاته مع السنوات المقبلة مما يلغي المفهوم السائد بأن الذكاء الاصطناعي يتفوق بقدراته على العقل البشري.
ماذا لو استخدمنا اكثر من 10% من دماغنا؟
أظهرت الدراسات الأخيرة تفوّق دماغ الانسان على آلات الذكاء الاصطناعي فهو يعمل بطريقة مختلفة عن خوارزميات التكنولوجيا. وقد تكون أغلب الآلات الصناعية والحلول الذكية مستوحاة من عمل الدماغ بطريقة أو بأخرى لمعالجة البيانات والصوت والصورة. يعتقد الخبراء أن التجارب المتتالية تكشف عن قوة العقل البشري وخصوصاً لاتخاذ القرارات المناسبة بشكل سريع في الحالات الطارئة.
بحسب العلماء، تتراكم المعلومات في دماغ الانسان لتشكّل طبقات تولّد الأفكار التي نعالجها يومياً. ومع اتخاذ الدروس والتعليم يتطوّر الدماغ وتتعزز قدراته مما يجعله كائناً عضوياً. يحتاج الدماغ إلى الراحة والاهتمام مثل أي عضو آخر في الجسم، فإن الارهاق والتوتر يؤثران سلباً على كيفية تحليل ما يحيطنا. فمن خلال الأوامر التي يرسلها الدماغ إلى أعضاء الجسم يتم التحكّم بكل حركاتنا الداخلية والخارجية.
كما يحتاج دماغ الانسان إلى تمارين يومية كالقراءة وحل الكلمات المتقاطعة وممارسة الالعاب الالكترونية التحليلية. هذا فضلاً عن ساعات التأمل والتهدئة لمنع تشتت الأفكار في وقت نعيش فيه صراعاً كبيراً مع التطور المتسارع من حولنا عل كل المستويات.
ويشير بعض الخبراء إلى تشابه الأجهزة الالكترونية التي نستخدمها اليوم بالعقل البشري واعتبار الدماغ ككمبيوتر يجمع خلايا مختلفة لتحليل ومعالجة كل المعلومات. أتى تطوير أجهزة الكمبيوتر المستوحاة من دماغ الانسان لتكون قادرة على تنفيذ المزيد من الأوامر بسرعة ودقة وموثوقية.
وفي تجربة أجريت لمعرفة الفرق بين آلات الذكاء الاصطناعي ودماغ الانسان: تعالج آلات الذكاء الاصطناعي الأصوات والروائح معاً بينما يُفرّق دماغ الانسان بين الاثنين. فإذا أصيبت آلة الذكاء الاصطناعي بمشكلة ستفقد كل حواسها بل الدماغ البشري سيتمكّن من تحليل المشكلة. ويواصل الخبراء اختباراتهم للكشف عن كثير من نقاط الفرق بين الآلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي وقدرات دماغ الانسان.
قد يتفوّق الذكاء الاصطناعي في حالات محددة لكنه بحاجة دائمة إلى تدريبات مكثفة لمعالجة المعلومات نفسها والوصول إلى النتائج نفسها أيضاً بينما يمكن للانسان اختبار حالات عدّة بظروف مختلفة من التجربة الأولى. تتغيّر الخلايا العصبية بدماغ الانسان لتحلل المعلومات بشكل أفضل وأكثر واقعية من الآلات المبرمجة. وكذلك يتعامل دماغ الانسان مع الكائنات الحيّة ويتفاعل معها بكفاءة أكبر مقارنةً بالآلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
رغم قدرات الذكاء الاصطناعي على تغيير العالم، لا تزال الآلات والأجهزة الالكترونية المبرمجة محدودة المهام مقارنة بالعقل البشري. حتى الخوارزميات المصممة لتكرار وظيفة الدماغ البشري - المعروفة بالشبكات العصبية - غير متطورة نسبياً مقارنة بالعمل الداخلي لعقل الانسان. يحتوي دماغ الانسان على الكثير من الهياكل العصبية العميقة المرتبطة بوظائف ومهام مختلفة، مثل الذاكرة وأنماط الحركة والإدراك الحسي وغيرها. وتتيح هذه الهياكل لعقولنا التفكير لحل المشاكل مهما كانت والتعامل مع الظروف المحيطة وهذا ما يميّز الانسان عن الروبوتات مهما تطوّرت الحلول التكنولوجية في هذا المجال.
الذكاء الاصطناعي نتاج تجارب عدّة
هل قدرات الذكاء الاصطناعي موجودة منذ اختراع هذه التكنولوجيا أم أنها مستمدة من الانسان؟ يتخوّف العالم من قوة الذكاء الاصطناعي وسيطرته على حياتنا بينما تعمل الشركات الكبرى على تطوير هذه التكنولوجيا أكثر فأكثر. ومنذ دخولنا الثورة الصناعية الرابعة، بدأ الذكاء الاصطناعي يأخذ مكانة أوسع في مجالات عدّة حيث لمس المستخدمون الفرق بين استخدام هذه التكنولوجيا واعتماد الحلول التقليدية. تشير بعض النظريات إلى قدرات الذكاء الاصطناعي اللامتناهية والتي سترافقنا إلى مدى الحياة بينما تعتبر دراسات أخرى أن الانسان ما زال بإمكانه التحكّم بهذه التكنولوجيا والتحكّم بخدماتها باعتبارها تتلقى الأوامر من المستخدم (الانسان) ولا يمكنها اتخاذ القرارات من تلقاء نفسها دون برمجتها مسبقاً.
تجارب عدّة أوصلت الذكاء الاصطناعي إلى ما هو عليه اليوم بالاضافة كتطوير نسخة "جي بي تي" من قبل شركة OpenAI والتي ساهمت بأنسنة الآلات الالكترونية والروبوتات لتتفاعل بشكل أكبر مع المستخدم. يُستخدم الذكاء الاصطناعي ضمن بيئات مختلفة طوّرت من أداء العمليات التشغيلية وفتحت فرصاً جديدة أمام الصناعات. وما زالت التجارب قائمة حتى يومنا هذا لتحويل الذكاء الاصطناعي من مجرّد أنظمة لا تدرك بمحيطها بل هي مبرمجة على التعامل مع الظروف التي تحصل معها إلى أنظمة قادرة على التفكير والتحليل وفقاً للمشكلة التي تواجهها.
يعتبر الخبراء أن المستقبل سيحمل الكثير من التحولات للذكاء الاصطناعي مع تطوير الخوارزميات وتحسين الأنظمة التي تدعم هذه التكنولوجيا لتكون قادرة على التصرّف من تلقاء نفسها دون تدخّل بشري.
بدورها، يطوّر عمالقة التكنولوجيا الروبوتات وأنظمتها لخدمات أفضل وتعزيز قدرتها على تحليل الأمور ومعالجتها بطبيعية. ويؤخذ "تشات جي بي تي" كدليل على ذلك حيث تم تدريبه على حفظ ملايين الكلمات والصور والمعلومات؛ هذا ما يعارض مفهوم أن "تشات جي بي تي" يتمتع بذكاء خاص ويؤكد أنه برنامج تم تدريبه لا أكثر لحفظ الاجابات وفقاً للأسئلة الأكثر شيوعاً.
هل سيصل الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة يكتسب فيها الوعي الذاتي؟ فرضية محتملة يطرحها خبراء التقنية والتكنولوجيا قد تتحقق في العقد المقبل وقد يتجسّد ذلك بالأجهزة الالكترونية المستخدمة من الكمبيوتر إلى الهواتف المحمولة. وفقاً للخبراء قد يتشابه الذكاء الاصطناعي والعقل البشري إلى حدّ كبير مع زيادة الخوارزميات إلا أن أجهزته تفتقر إلى التفاعل الحسّي مع العالم والافتقاد إلى بنيات طبيعية تربط وعي الذكاء الاصطناعي بالواقع. ويوضح الباحثون في هذا الاطار ان مراحل عدّة يجب المرور بها للوصول إلى آلات ذات وعي كامل. مهما تطوّرت الأجهزة الالكترونية والتقنية لا يمكن أن تصل إلى المعنى الحقيقي للوعي الذي يتمتّع به دماغ الانسان بل هي تتألف من مجموعة خوارزميات وبيانات هائلة فقط لاغير.
تتناول دراسات اليوم قدرات الذكاء الاصطناعي بايجابياته وسلبياته لكن تأكيد فرضية تفوّق هذه التكنولوجيا على دماغ الانسان يبقى أمراً بالغ الصعوبة. فرغم اظهار تفوّق الذكاء الاصطناعي على الانسان في الصناعات التي تتطلّب السرعة والدقة، تظهر الثغرات التقنية لتبثت العكس وتؤكد أن تدخّل الانسان يبقى مطلوباً لضمان سير العمل والتناسق بين فرق العمل على الأرض. حتى الأداء الجيّد للتكنولوجيا والأجهزة الالكترونية لا يمكن أن يلغي دور الانسان وقدراته. فإن العقل البشري هو الدليل الوحيد على تميّز الانسان عن الآلات.
بين من يرى الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي أداة لتسهيل المهام أو تكنولوجيا تخطّت الحدود، تبقى مسألة تكامل الانسان مع التقنية أو تعارضه جدلاً مفتوحاً يتطلّب رحلة طولة من التجارب والأبحاث لإثبات إحدى النظريتين.