Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

لم يترك فيروس كورونا جانباً من حياتنا إلا وألقى بظلاله عليه. فمع سرعة إنتشار المرض لم يبقَ أمام الشركات والقطاعات كافة سوى الاتجاه نحو استراتجيات جديدة في العمل أكثر تقدماً وتطوّراً. شروط الاستمرارية لم تعد تنحصر بالقدرة على الابتكار فقط، بل الأهم هو كيفية مواجهة الأزمات المستجدة والصمود في السوق العملية.

تكثر الأحاديث عن نمط حياة جديد بانتظارنا بعد الانتهاء من جائحة كورونا إن على الصعيد الشخصي، الاجتماعي أو حتى العملي. ونظراً لتداعيات هذا الوباء وسرعة انتشاره، أقدمت كبرى الشركات حول العالم  على فرض نظم جديدة للحدّ من الانتشار والحفاظ على سلامة الموظفين لا سيّما من خلال الاعتماد على العمل المنزلي أي عن بُعد. هذا الواقع يفرض على الجهات المسؤولة والادارات في الشركات تزويد الموظفين لديها بسلوك جديد ونظام عمل حديث يتطابق مع طريقة العيش التي فرضها الفيروس التاجي على الجميع دون استثناء. بين الكارثة الصحيّة التي سببّها كورونا عالمياً والتحوّل الجذري الذي لامس قطاع الأعمال، لا بدّ من لفت النظر إلى تأثير الفيروس على استراتيجيات العمل، على التجارب المهنية، على الاقتصاد والسوق العالمي، على العملاء والمستخدمين لمختلف الشركات، على القيادة والادارة في الشركات والأهم على سلوكيات العمل وقوانينه الذي يشهد نموذجاً جديداً كلياً لم يؤمن به أحد قبل وصول كورونا.

فما هو الاتجاه العام للشركات وقطاع الأعمال؟ ما هي قوانين العمل الجديدة بعد كورونا؟ وإلى أي مرحلة سنتقدم؟ إليكم التفاصيل.

مهاراتٍ تنمو وإنتاجية تكبر من العمل المنزلي!

إن صدمة إنجاز كافة الأعمال من المنزل واعتماد العمل عن بُعد كانت أوّل التغييرات التي فرضها كورونا على الشركات العالمية التي بدأت ترضخ لهذا الواقع وتتكيّف معه. من خلال الحلول الرقمية والتكنولوجيا، تمكّن الموظفون والشركات كافّة من الاستمرار بالأعمال بشكل أو بآخر فبدا التفاعل مع العالم الافتراضي مفهوماً ظاهراً ومتشعّباً أكثر. مع الأزمة، اكتشف الموظّف مهارات لم يتنبه اليها من قبل، أهمها كيفيّة تنظيم الوقت. قد يعتقد البعض أن العمل من المنزل يعني الراحة، بينما في الواقع العكس هو الصحيح. يفرض العمل المنزلي على الموظّف الإلتزام بوقت العمل بشكل أدقّ وبذل مجهود أكبر للتركيز وإنهاء كل المتوجب عليه خلال اليوم. للغاية هذه، طُوّرت التطبيقات والبرامج التي تساعد الموظّف على وضع كل أعماله ضمن قائمة أو جدول أمامه لتقسيم وتنظيم العمل ضمن الوقت المحدّد له.

أما من ناحية الشركات، فستقاس الانتاجيّة بناءً على مستوى الإنجاز وليس على الحضور. بعد كورونا، لم يعد من المهم إلتزام الموظّف بحضور شخصي في مكان عمله طالما هو قادر على تنفيذ أموره من منزله. هذا من دون ذكر الاجتماعات الرقمية التي بات بإمكانه حضورها إفتراضياً بالصوت والصورة. في المقابل سيتطلب من الموظف تطوير مهاراته المهنية لتتماشى مع التحول الرقمي كما على الشركة توفير كل الشروط اللازمة لتأمين بيئة عمل إفتراضية رقمية حديثة. مرحلة ما بعد كورونا ستجعل أسلوب العمل عن بُعد جزءاً أساسياً من طريقة ممارسة الأعمال، كما ستولّد فوجاً جديداً من الوظائف الرقمية قد تطيح بالأعمال التقليدية المعتمدة.

هل الشركات مستعدة للأزمات المقبلة؟

نظراً للجوء الناس إلى العالم التكنولوجي بطريقة جنونيّة غير مسبوقة ولأهداف متعدّدة، من المهم أن يسأل قادة شركات تكنولوجيا المعلومات وشركات التطبيقات والمنصات الالكترونية العالمية بشكل خاص: هل ممكن لشركاتهم الصمود بوجه الأزمات المفاجئة المقبلة في المستقبل؟ وماذا عن جهوزيتها خلال الأزمة الحالية؟ وفقاً لاستطلاع استمرارية الأعمال الأخير الذي أجرته مؤسسة  غارتنر، 12% فقط من الشركات هي على استعداد تام لتأثير الفيروس التاجي عليها. إذاً ماذا يتوجّب عليها؟ على هذه الشركات  اتخاذ خطوات فورية لضمان سلامة الموظفين واستغلال الإمكانات التي توفرها خدمات الأعمال العالمية: أولاً، تمكين الموظفين  من العمل والتواصل مع الزملاء من مواقع متنوعة وآمنة وإنشاء بيئات آمنة ضمن الشركة من خلال التعقيم المنتظم. ثانياً، التأكد من اتباع البروتوكولات المتوجبة على الموظفين للحفاظ على سلامتهم والسلامة العامة والحد من الاجتماعات غير الضرورية واستبدالها بالاجتماعات الافتراضية. أما لضمان الاستمرارية، فعلى جميع الشركات إعادة النظر بالخطط العملية والاستراتيجية الموضوعة وإعادة جدولتها بالاضافة إلى تنظيم خطة بعيدة المدى تضمن سلاسة العمل ونتائج الأرباح وحقوق الموظفين تحت كل الظروف.

وظائف مطلوبة في زمن كورونا؟!

يفرض العمل عن بُعد إستخدام الحلول الرقمية وخدمات الاتصالات لإتمام كل الواجبات، وهذا يضع  شركات الاتصالات تحت ضغظ كبير مما يجبرها على العمل على  تجهيز بنيتها التحتية وشبكاتها السحابية لتحمّل العدد الهائل من العملاء والمستخدمين الذين ارتفع استخدامهم للشبكات اللاسلكية وتبدّل سلوكهم وطريقة استخدامهم للانترنت خلال الأزمة الراهنة. ينطبق الأمر على الشركات التكنولوجية  والمنصات الالكترونية التي ارتفع متوسط ازدحام الاستخدام فيها: منصة فيسبوك بنسبة 27%، بين شهري مارس وأبريل، نتفليكس 16%، أما منصة يوتيوب فشهدت ارتفاعاً بنسبة 15% لمتوسط ازدحام استخدامها للفترة نفسها. وبما أن على الجميع إلتزام التباعد الاجتماعي، شهدت منصات الفيديو كذلك ارتفاعاً ملحوظاً بمتوسط الازدحام عبرها: تطبيق google duo بزيادة 12% بين شهري مارس وأبريل، nextdoor بنسبة 72% وhouseparty بنسبة 79% لنفس الشهرين. قد تهيئ أزمة كورونا العالم إلى مرحلة رقمية بامتياز سيستغلّها كل فئات المجتمع وقطاعات الأعمال التقنية والتكنولوجية بصورة خاصة، بينما ستكون الفرصة متاحة لخلق فرص عمل بأعداد هائلة. على أثر ذلك، أعلنت كبرى الشركات العالمية عن طلبها موظفين جدد كشركة أمازون التي أعلنت عن 20000 وظيفة  شاغرة في مجال التقنية والتكنولوجيا  فضلاً عن 175000 وظيفة في مجال الشحن والخدمات اللوجستية بسبب ارتفاع طلبات التوصيل إلى المنازل. من جهتها أعلن عملاق التواصل الاجتماعي فيسبوك عن توظيف 10000 عامل جديد في فرق المنتجات والهندسة. كذلك شركة آبل التي أعلنت عن توفيرها عدداً كبيراً من الوظائف الشاغرة لديها في مختلف المجالات.

بعد كورونا... الأولوية للتجارة الرقمية

مرحلة ما بعد كورونا ستأتي بالكثير من السلوكيات والعادات التي لن تنتهي حتى مع إنتهاء انتشار الوباء. فهناك 64% عبّروا عن خوفهم من تأثير كورونا على صحتهم و81% آخرون عبروا عن خوفهم من انعكاس الفيروس على الصعيد الطبي والصحي العام، يبقى الخوف الأهم للعملاء ومنهم 88% على الصعيد التجاري وتأثير الأزمة على العجلة الاقتصادية. لذلك، الشركات التجارية تتحرّك بسرعة لإدراك الوضع وتحوّل أسس عملها نحو التجارة الرقمية لضمان سلامة العاملين والمستخدمين من جهة ومتابعة سلوك عملي تجاري متطوّر يوفّر خدمات متعددة وشاملة  تتماشى مع العصر الرقمي المهيمن.

بحسب التقارير والبيانات الأوّلية، من المتوقع أن يشهد سوق التجارة الالكترونية إستمراراً بالارتفاع للمرحلة المقبلة، مقابل تراجع في حركة التجارة التقليدية. ووفقاً للأرقام الظاهرة من مؤشر التسوّق للرّبع الأول من العام 2020، شهد التسوق الالكتروني نمواً بنسبة 20% مقارنةً بمعدّل 12% للفترة نفسها من العام الماضي، كما ارتفع عدد زوّار مواقع الانترنت إلى 16% وزاد إنفاق المتسوقين بمعدل 4%. وفي الاطار نفسه، زاد الانفاق الالكتروني على السلع الأساسية لا سيّما بين شهري مارس وأبريل في مدينة  نيويورك بمعدّل 158% بينما في كاليفورنيا وصل الانفاق الرقمي الى معدّله الأقصى 230% وواشنظن بنسبة 157% للفترة نفسها. كذلك، بدّلت أزمة كورونا ساعات الذروة لزيارة هذه المواقع، فبعدما كانت ذروة التسوق الرقمي في ساعات المساء، إنتقلت إلى الساعات الصباحية بسبب ملازمة المواطنين المنازل.

إلى قادة الأعمال، إليكم هذه النصائح

الحفاظ على وتيرة العمل والإصرار على الاستمرارية تحت الظروف الاقتصادية والصحية الصعبة هو الهدف الأساس لكل شركة ولكل مدير يسعى بجهد الى تحقيق الأرباح مهما حصل. إنما النقطة الأهم لضمان الاستمرارية في العمل هي بناء الثقة بين المدير وموظفيه وبين الشركة ككل وعملائها في الخارج، لذلك على قادة الأعمال الأخذ بالاعتبار هذه النصائح للتمكن من اجتياز الأزمة الحالية بأقل أضرار ممكنة:

تطوير مركز التخطيط والتصرّف في الشركة: يساعد ذلك على إدراك الأزمات والعمل على أسس واضحة للحدّ من الخسائر ومواجهتها بالطريقة الأصح.

وضع هدف أساس للشركة:  تساعد الأهداف والقيم المشتركة في الشركة على شعور الموظفين بإنتمائهم للمؤسسة بشكل أكبر وتقوية إتصالهم ببعضهم على رغم الحجر الصحي.

الحفاظ على التواصل: يساعد التواصل والاتصال بين فريق العمل والمدير ولو عن بُعد إن كان عبر التطبيقات أو الاجتماعات الافتراضية في الحفاظ على ترتيب الأعمال وتوزيعها بشكل سليم كما لو أن العمل يجري في المكتب.

تطوير الحلول التكنولوجية: بما أ ن الأعمال باتت عن بُعد، يجب على المدراء تطوير آلاتهم وأجهزتهم التكنولوجية المتوفّرة  في الشركة خصوصاً وأن الاعتماد الأكبر بات عليها بعد كورونا. بالاضافة إلى ذلك، دعم شبكات الانترنت وتوسيع سعة البيانات لتحمّل ضغط استخدامها. هذا ما يساعد على استكمال العمل بطبيعية وربط فريق العمل ضمن شبكة إلكترونية قوية.

دعم فريق العمل: إن الضغط النفسي الذي يعيشه الموظف، بين خوفه من خسارة راتبه والحسم منه والخوف الأكبر من الفيروس، كل هذا  يؤثر على نفسيته ما سينعكس على إنتاجيته ونوعيّة عمله. يبقى على المدير تأمين الراحة "النفسية" لموظفيه، مصارحتهم بالأوضاع المالية التي تمرّ بها الشركة، دعمهم للحصول في المقابل على إنتاجية عمل أفضل رغم كل الأزمات الحالية والمقبلة.

هي معركة طويلة يخوضها العالم بمختلف قطاعاته في وجه فيروس دخل بسرعة على تفاصيل حياتنا ليقلبها رأساً على عقب. في مرحلة ما بعد كورونا، لا مجال للسياسات العملية التقليدية، لا مكان للقوانين القديمة، أنظمة جديدة ستدخل، عالم رقمي سنرحّب به، آلات وحلول تكنولوجية ستكون الأمان لضمان كل أنواع الأعمال، فما بعد كورونا لن يكون كما قبله!