Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

تقدّم المدينة الذكية خدمات عدّة وامتيازات لا تُحصى منها البنية التحتية المتطوّرة، التطبيقات الذكية، الإدارة المنظّمة لقطاع الخدمات، الصحة، المصارف، التعليم، الصناعة وغيرها العديد. كما يتمتع سكان المدينة الذكية بالأمن والأمان، والقدرة على استخدام الانترنت بشكل متواصل. في وقت يتضاعف فيه عدد السكان عربياً وعالمياً، تندفع الحكومات إلى التوسّع أكثر في حقل الابتكارات ورفع القدرات المالية لتطوير البرامج الالكترونية على نطاق أوسع استجابةً إلى احتياجات السكان.

 

فرض الوباء سياسات جديدة غيّرت سلوك العملاء والمواطنين مما وضع الدول في مواجهة تحديات مختلفة وضاعف المهمّات التي تحملها على عاتقها. على ضوء ذلك، تعمل الحكومات على توفير كل شروط الحياة الرقمية مع تعزيزها للتقنيات التكنولوجية، مواصلة التنمية على كافة المستويات الاقتصادية والادارية واستيعاب احتياجات العملاء المتزايدة بهدف تحقيقها وأخيراً خلق التوازن المجتمعي الذي يشمل تحسين الخدمات، دعم التقنيات الرقمية وتطوير البنية التحتية  لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. إضافةً إلى المبادرات المطروحة لتسريع التحول الرقمي، تظهر أهمية المدن الذكية لتتماشى مع تحديات عصرنا الحالي ودعم المهارات والمشاريع الناشئة  التي ستأخذ مساحة كبيرة من حياتنا خلال السنوات المقبلة (سيارات ذاتية القيادة، طائرات مسيّرة، آلات مدعومة بالذكاء الاصطناعي...).  ويرتبط نمو الاقتصاد وازدهاره بخدمات المدن الذكية لذا اتجهت الدول العربية والعالمية إلى تطبيق هذا النوع من المدن الحديثة لرفع مستوى الانتاجية في القطاعات العامة والخاصة والحكومية. لكن مقابل ذلك، كيف سيتعامل السكان مع المدينة الذكية وهل كل التقنيات متوفرة أمامهم اليوم لاعتماد الحياة الرقمية كما يجب؟

 

التكنولوجيا الحديثة ترسم ملامح المدينة الذكية وتحديات تؤخّر هذا التحوّل

تنطلق الخطوة الأولى من مشروع المدينة الذكية مع تطوير الآلات الذكية واعتماد إنترنت الأشياء، إلا أن ذلك يحتاج إلى بنية تحتية رقمية قوية لتأمين التواصل والاتصال مع كافة المنصات المتاحة أمام المواطن والتي تربطه بالداتا. أما الخطوة الثانية فتكمن في كيفية استخدام هذه الداتا من قبل الحكومات والمؤسسات والشركات لوضع الاستراتيجية الصحيحة. مع هذه الخطوات تدخل المدن المرحلة الأولى من مسيرة التحوّل إلى مدينة ذكية. تستعين الحكومات بحركة البيانات الداتا لمراقبة سلوك المواطن وبالتالي تحسين الخدمات المقدمة لضمان أمن المجتمع والتفاعل بين الدولة والعميل من جهة وتحسين مقومات العيش في الدولة لكل المقيمين أو الزوّار أو العاملينمن جهة اخرى. عربياَ، أثبتت بعض المدن مكانتها في هذا الاتجاه ليتم تصنيفها اليوم من أهم نماذج المدن الذكية حول العالم. فبحسب مؤشر المدن الذكية لعام 2019 يذكر كل من دبي، أبوظبي، القاهرة والرياض من بين قائمة المدن العربية الكبرى الذكية.

يعتبر المشرفون على مشاريع المدن الذكية أن هذه الأخيرة هي الضمانة لحماية المواطن واندماجه بعالم الرقمنة والتكنولوجيا العصرية إضافةً إلى دورها بحماية الطبيعة مع تخفيض الانبعاثات الكربونية وتكثيف الآلات ذاتية التحكّم. لا تقتصر المدينة الذكية على حداثة تقنياتها فقط بل تهتم مشاريعها بتوفير الراحة للمواطن ورفاهيته مع القدرة على تجسيد الأفكار المستقبلية. من الملاحظ أن رؤية المدينة الذكية تختلف من دولة إلى أخرى ويعود ذلك إلى المهارات والامكانات المتوفرة في هذا المجال. إلا أن مع اتجاه العالم نحو التحول الرقمي، سرّع ذلك الاستثمار في التقنيات الحديثة التي تخدم المدينة الذكية بالدرجة الأولى  وتساعد الحكومات والشعوب على مواجهة التحديات المقبلة كالتي أتت بها الأزمة الصحية كوفيد.

وبالحديث عن متطلبات المدينة الذكية لا بدّ من البحث في توفّر "المجتمع الذكي"، فإن توفّرت الأولى من دون الثانية يستحيل تطبيق الرقمنة الكاملة والعكس صحيح. على هذا الأساس يبدأ العمل لإعداد فكر رقمي قادر على استيعاب التكنولوجيا والتعامل معها والانسجام بكل أنظمة عالم التقنية والاتصالات، فلا يمكن أن تتبنى مجتمعات تقليدية أو"غير ذكية" سياسة المنظّمات الذكية أو أن تنخرط بها.

إلى جانب العرقلات البشرية، تأتي التحديات السياسية التي تختلف بحسب انفتاح كل دولة ومدى تقبلّها لربط الداتا والبيانات الشخصية بشبكة الانترنت وحق الوصول إلى المعلومات إلكترونياً. فهناك بعض الحكومات العربية تسيطر على السلوك الالكتروني وتمنع الوصول إلى كل البيانات باعتبار أن ذلك ينتهك خصوصية المستخدم ويهدد الأمن الالكتروني؛ بينما حكومات أخرى تتبنى وجهة نظر معاكسة محترمةً الحرية الرقمية حيث تجمع هذه البيانات لمعالجتها وإدارتها.

يلعب التفاوت بين المستوى التعليمي للأفراد واستخدامهم الأجهزة الذكية للتفاعل مع المدينة الذكية دوراً أساسياً بنجاح المدينة الذكية أم فشلها، إضافةً إلى ضرورة توفر البنية التحتية الرقمية لدعم الاتصالات وربط المناطق النائية بالمناطق المؤهلة رقمياً.

 

"مشيرب" تجسّد استراتيجية قطر لاستغلال الذكاء الرقمي

تمنح مشيرب القطرية تجربة مميّزة لاختبار المدينة الذكية الأحدث في العالم والصديقة للبيئة بكل مقوماتها. تتمتع مشيرب ببناء هندسي ذكي يضم المشاريع المتطورة والابتكارات الحديثة لتقدّم تجربة مميّزة لسكان المدينة. وتعتبر مشيرب نموذجاً للمدينة الذكية المجهّزة بكافة التقنيات الرقمية وتحتوي على بنية تحتية رقمية أساسية لتعزيز الاتصالات وربط المؤسسات والمنظمات والمباني ومراكز البيانات. كما تجمع التطبيقات الذكية البيانات وتعالجها وتحلّلها لتجربة أفضل، فضلاً عن اعتماد الشبكات اللاسلكية والمنازل الذكية في كافة شوارع المدينة. يُعد مشروع مدينة مشيرب ضمن المشاريع المطروحة لرؤية قطر 2030.

وتسخّر قطر قدراتها المجتمعية لتحويل الدولة إلى بلد ذكي بامتياز يقوم على الاقتصاد الرقمي والمعرفة حيث تزيد الحكومة مبادراتها لزيادة الوعي لدى السكّان للتعامل السليم مع التحول الرقمي والتقنيات الجديدة التي ظهرت بعد جائحة كوفيد-19. فمن خلال العمل والتخطيط تجاوزت قطر تحديات الأزمة الصحية مع تطوير شبكات الجيل الخامس والمشاريع الذكية التي تشكّل نقطة محورية لتحقيق التنمية المستدامة والمرونة. على ضوء ذلك، زاد رجال الأعمال استثماراتهم على الجيل الخامس، إنترنت الأشياء، الشبكات اللاسلكية والمنصات الذكية والذكاء الاصطناعي التي ترفع مستوى الاتصال في الدولة وتسرّع الاتجاه نحو التكنولوجيا الحديثة لتكون قطر بين الدول الرائدة على الصعيد التكنولوجي والمدن الذكية في العالم.

كما ساهم مشغلو الاتصالات في قطر بمسيرة التحول الرقمي من خلال تحويل قطاعات الصناعة والتعليم والتجارة إلى قطاعات ذكية تعتمد التقنية الرقمية لمستقبل أفضل.

استكمالاً لنجاح المبادرات المحلية في مجال الرقمنة، تهدف الحكومة القطرية إلى رفع مستوى "المجتمع الذكي" في قطر لتبني المشاريع الذكية وإبراز أهمية التكنولوجيا في حياة الإفراد. بالنسبة لعدد كبير من المؤثرين في المجتمع لا يمكن ضمان نجاح المدينة الذكية أو استمرارها بدون وجود الوعي الكافي لدى أفراد هذا المجتمع بكل فئاته لاستخدام الأجهزة الذكية أو ذاتية التحكّم من دون التعرّض إلى الهجمات السيبرانية المحتملة.

 

شبكة السعودية للمدن الذكية: أفكار ومبادرات تحقق التنمية

حققت السعودية نجاحاً بارزاً في السنوات الخمس الأخيرة مع توجهها نحو التكنولوجيا والتقنيات الذكية. كما تهدف المملكة إلى بناء شبكة من المدن الذكية عبر تنظيم المؤتمرات وتشجيع المبادرات والمشاريع الناشئة لفهم التحديات التي تعرقل إنشاء المدينة الذكية وكيفية معالجتها. على الرغم من تداعيات الوباء عالمياً، كان كوفيد-19 محفزاً لتطوير المدينة الذكية التي ستفتح أمام الشباب مئات آلاف الوظائف بحلول العام 2030. تتطلع اليوم السعودية إلى توجيه اقتصادها من النفط إلى التكنولوجيا حيث تعمل على زيادة الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50% بحلول العام 2030. مالياً، عززت المملكة رأسمالها على التقنيات الرقمية لتحويل مدنها إلى مدن ذكية وقد بدأت العمل على ذلك في خمس مدن: مكة، الرياض، جدة، المدينة المنورة والأحساء، كما خصصت نحو 500 مليار دولار للاستثمار في 285 بلدية لهذا الهدف.  

ستشمل المدن الذكية السعودية خدمات عدّة أبرزها التنقل الذكي الصديق للبيئة والذي يتضمن السيارات ذاتية القيادة والكهربائية ليستمتع سكان المدينة بتجربة فريدة على الطرقات. كما ستستخدم المدن الذكية الطاقة النظيفة الخالية من الانبعاثات الكربونية إلى جانب الشبكات الذكية سهلة الاستخدام. وتهدف المملكة العربية السعودية إلى زيادة مساحاتها الخضراء من خلال المدن الخضراء الذكية الجميلة بالاضافة إلى دعم تقنية إنترنت الأشياء التي تعد من العناصر الأساسية للمدن الذكية للتحكم بالأجهزة والمنازل عن بُعد كما تجمع البيانات والمعلومات في الوقت الآني وتحل المشاكل التقنية.

على ضوء ذلك، تشدد المدينة أمنها الالكتروني بما انها أكثر عرضة للهجمات السيبرانية ما قد يعطّل خدماتها وبنيتها التحتية وتطبيقاتها في كافة المجالات.

 

مواطن ذكي ولا تقنيات ذكية !

تعود فكرة المدينة الذكية إلى آلاف السنين من العمل والجهد لتحويل المدن إلى "آلة ذكية شاملة". بين التقدّم التكنولوجي والسياسات التقليدية لا يمكن بناء مدينة ذكية إذا لم يكن المواطن ذكياً يُدرك خدمات التطبيقات الجديدة ويعرف استخدامها أو سيبقى محصوراً بالأساليب التقليدية.

سكان المملكة العربية السعودية هم خير مثال على تفاعل المواطن الذكي مع التكنولوجيا. بحسب الدراسات الأخيرة، تُعتبر السعودية من بين أكثر 10 بلدان في معدل انتشار الانترنت لديها أي بنسبة 95.7% وذلك على مستوى العالم. وبينما تلعب المنظمات وشركات التكنولوجيا على رفع مستوى الخدمات لدمج المواطن بالحياة الرقمية لا تزال بعض المدن العربية تعاني من الفجوة الرقمية مع عدم توفر شبكات الاتصالات المتطورة وضعف البنية التحتية والخدمات الرقمية مما يؤخّر تقدّم المجتمع وتطوّر السكان لعدم انخراطهم بالمستقبل الذكي.