Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

تواكب الحكومات والقطاعات العامة والخاصة تطور التكنولوجيا من خلال توفير الخدمات الرقمية للارتقاء بحياة المواطنين وتحسين تجربة العملاء. يميل العملاء إلى الحلول الرقمية مدركين أهمية هذا النوع من التعاملات خصوصاً بعد انعكاسها الايجابي على خلفية انتشار كوفيد-19. على عكس النمط العملي التقليدي، تدعم التقنيات الجديدة قطاع الأعمال للتعافي من تداعيات الوباء إضافة إلى تعزيز الانتاجية والمرونة.

تساعد رقمنة خدمات الحكومات على تلبية متطلبات العملاء والاستجابة إلى توقعاتهم وأكثر، إلا أن هذه العملية ليست سهلة. وعلى الرغم من الصعوبات المعقدة قد يكفل هذا الاتجاه للدول التحرّك أسرع للتصدي إلى الأزمات المفاجئة والالتزام بتطبيق المعاملات عن بُعد بطريقة سهلة وسريعة. مع تعدد التطبيقات الذكية، يبحث المستخدمون عن الحلول التي تسمح لهم بإتمام معاملاتهم وأوراقهم الرسمية عبر المواقع الالكترونية من دون الحاجة إلى نسخ ورقية. كما تطرح اليوم حكومات منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا  هيكلية جديدة تطلق من خلالها التكنولوجيا الرقمية مما يرفع فرص العمل أمام الشباب، ويُحسّن أعمال الشركات ويدعم المشاريع الناشئة. على ضوء ذلك، تحرص الجهات المعنية على تأمين الوصول المتكافئ لكل فئات المجتمع إلى الأنظمة الرقمية والحلول التكنولوجية المستقبلية من خلال طرح الاصلاحات التالية والتي تشمل تطوير البرامج التعليمية وورش العمل لتدريب الشباب على استلام الوظائف في مجال الرقمنة والاعتماد على مهاراتهم في ذلك. كما تتبنى الاصلاحات السعي لتحسين العمل الحكومي وتطبيق الأنظمة الحديثة بالاضافة إلى تطوير البنية التحتية الرقمية. في وقت تتقدّم فيه بعض الدول من ناحية انخراطها في الاقتصاد الرقمي يواجه البعض الآخر عدّة عوائق من ناحية التمويل، عدم توفّر الامكانات اللوجستية أو المهارات المطلوبة مما يبعدها عن المنافسة.

 

الخدمات العامة الرقمية توسّع نطاقها

يشكّل التحول الرقمي تحدياً كبيراً أمام القطاعات الحكومية فهي بحاجة إلى تعديل على كافة المستويات. مقارنةً مع الخدمات التقليدية التي تقدمها المؤسسات الحكومية، توّفر الخدمات العامة الرقمية 50% من الانفاقات التي تتكلّفها الشركات في التعاملات الاداراية. إلى جانب ذلك، توفر الخدمات العامة الرقمية 50% من الوقت وهي متاحة على مدار الوقت بالاضافة إلى توفير نحو 60% من الجهد والوقت من خلال إتمام المعاملات عبر المعالجة الآلية واعتماد تقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي.

في هذا الصدد تطرح حكومات الشرق الأوسط وأفريقيا سياستها وبرامجها لمعالجة مشكلة البطالة من خلال توسيع خدمات الرقمنة التي تتيح المزيد من الفرص الاقتصادية. من ناحية أخرى، يواجه الراغبون في الانخراط في الاقتصاد الرقمي والمجالات الرقمية صعوبة بمنافسة المجتمعات المجهّزة بشكل أفضل لتبني هذه القدرات والتي تتيح الوصول إلى الشبكات اللاسلكية بنطاقها العريض. وبالتالي، قد ترسم التكنولوجيا أزمة جديدة تتسم بعدم المساواة بين المجتمعات المحدودة وتلك المتطورة.

بالحديث عن الشرق الأوسط وأفريقيا تواجه هذه المنطقة مجموعة من العراقيل التي تؤخرها عن التقدّم التكنولوجي الكامل. التحدي الاول يكمن بالقوانين والقيود المفروضة التي تحد من حرية استخدام الانترنت والتكنولوجيا كما يريد المستخدم وبالتالي تحد معها الابتكارات التغييرية. تعتبر هذه القوانين غير ملائمة لقاعدة الاقتصاد الرقمي والحوكمة والمعاملات الالكترونية.

يشير الاتحاد الدولي للاتصالات إلى تراجع اشتراكات الهواتف المحمولة في المنطقة العربية بعد هبوطها إلى ما دون 100% في العام 2020 بينما لم تصل اشتراكات النطاق العريض للهاتف المحمول إلا الى نسبة 60%.

مع فرض أسس المدن الذكية في المنطقة تظهر أهمية المهارات التقنية والرقمية لابقاء السيارات والمنازل والمركبات الذكية على تواصل دائم. لكن لغاية اليوم تعتبر القدرات البشرية محدودة تجاه التكنولوجيا المتوفرة في سائر دول العالم غير أن الأنظمة العملية لا تزال ضمن المنهج التقليدي البعيد عن العمل الرقمي المتطوّر. من هنا تعمل حكومات الشرق الأوسط وأفريقيا على اعتماد هيكلية جديدة لدعم التكنولوجيا والتقنيات الرقمية التي تساهم بنمو الاقتصاد والمجتمع. يوفر التحول الرقمي مختلف أنواع الخدمات لكل من القطاعين العام والخاص مع المزيد من الفوائد المالية والتشغيلية للتوسع والانتشار من خلال الحلول المبتكرة.   

تُعد الرقمنة من المؤهلات الأساسية لتطور الدول إلا أنها تتطلّب توفّر الوسائل المطلوبة لضمان الاستدامة. وفي ظل التحولات المستجدة عززت الادارات العمومية والخاصة مشاريعها لتسريع الانتقال الرقمي حيث أطلقت كل من الوزارات المعنية منها الاقتصاد والطاقة والنقل والخدمات والتعليم مبادراتها التي تصب في تنمية الأعمال ومواكبة التحولات الالكترونية. هذا وقد أمنت بعض الشركات والجماعات والوزارات انخراطها في الممارسات الذكية والتطبيقات للحفاظ على التواصل والاتصال بينها والعملاء. يعتبر ذلك دليلاً على أهمية العمل عن بُعد مع احترام أمن المعلومات والخصوصية الفردية. على هذا النحو تعتمد كل الشركات الصغيرة والمتوسطة مشاريع مستقبلية لتحقيق عملية التحول الرقمي مع إعادة تكوين الموارد البشرية واللوجستبية والتقنية مع تشغيل الانترنت وشبكات الاتصالات والتقنيات الجديدة إلى جانب تفعيل ونشر الجيل الخامس.

 

ماذا بين الرقمنة والتحول الرقمي؟  

غالباً ما يتم اللغط بين مفهوم الرقمنة والتحول الرقمي فالأول يشير إلى حركة البيانات والمعلومات أما المفهوم الثاني فيشير إلى العمليات. ترتبط الرقمنة بالتحول الرقمي فبعدما أصبحت حركة البيانات مُكثّفة أكثر وبات الوصول إليها أسهل، تغيّرت طريقة إتمام العمليات التي أصبحت أكثر ابتكاراً تماشياً مع البيئة الرقمية الجديدة. بين التحول الرقمي والرقمنة أصبحت الأعمال أسهل فتحوّلت من المعاملات الورقية إلى المعاملات الالكترونية التي تتطلب سعة كبيرة من التخزين لاستقبال المعلومات والاتصالات والبيانات وإنشاء الادارة والمهام المطلوبة.

تطوّر شركات التكنولوجيا أنظمتها لتتطابق مع التطبيقات الرقمية بهدف زيادة السرعة والتكيّف مع الواقع الجديد. كما انها تغيّر استراتيجيتها استجابةً للتطورات الراهنة بالاضافة إلى تكريس الجهود للتصدي إلى الهجمات الالكترونية ومواجهة التحديات. تشجع البيئة الرقمية على تكثيف ورش العمل والتدريبات المخصصة للموظفين والمدراء التنفيذيين لزيادة ثقافتهم الرقمية ولإدراك كيفية استخدام الأجهزة الالكترونية والبرامج المتاحة مع تبني الشركات المزيد من القنيات.

ترتبط الرقمنة بعملية التحول الرقمي بشكل كبير حيث تجمع معظم الشركات البيانات من العملاء لتحليلها ومعالجتها وبالتالي تحسين عملياتها فيعمل التحول الرقمي على جمع البيانات بذكاء لتسهيل الأعمال.

إن التطبيق القعّال لهذه العمليات يعني استخدام التقنيات التكنولوجية منها الذكاء الاصطناعي للتركيز أكثر على العملاء وعلى معلوماتهم الشخصية والمساهمة بزيادة الأرباح.  

تعتبر اليوم رقمنة القطاعات من أهم الخطوات التي تقدم عليها الحكومات خصوصاً بعد تفاقم أزمة كورونا. وكشفت الجائحة أهمية التكنولوجيا واستخدامها لضمان استمرارية الأعمال كما سلّطت الضوء على هشاشة النمطية المعتمدة من قبل الأفراد والشركات التي لم تتمكن جميعها من الصمود أمام التحديات كالتي فرضها الوباء. لا يزال العديد من القطاعات يعاني من خلفيات الوباء على أمل تعويض الخسائر خلال السنوات المقبلة.

يمكن اختصار المرحلة المستقبلية بالتقنيات الناشئة المتمثلة بالواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي والواقع المعزز لتغذية أنظمة رقمية جديدة وإغناء تجارب العملاء: من الناحية الاقتصادية، رفعت الرقمنة أرباح القطاعات التي تجاوزت التوقعات خلال الربع الأول من هذا العام كما زادت حدة المنافسة على مستوى الخدمات.

تعليقاً على ذلك تقول أستاذة جامعية في البحرين إن ازمة كورونا خلقت تحدياً كبيراً لدى قطاع التعليم إلا أنها سرّعت الرقمنة بين كافة القطاعات من دون استثناء. لم يكن لهذا التحول الكبير أن يتحقق لولا فرض التحديات التي أتى بها الوباء وكان لا بدّ من مواجهتها للاستمرار. كغيرها من الدول العربية، تعترف البحرين اليوم بأهمية التحول الرقمي لتحقيق النمو الاقتصادي وتحديث القطاعين العام والخاص بعدما أعلنت عن استراتيجيتها لقطاع التكنولوجيا والمعلومات لعام 2022-2026 .

 يُشترط التقدم التقني بوجود البنية التحتية الرقمية المناسبة لاستقبال التدفق الهائل للبيانات والاتصال الدائم بشبكة الانترنت للدخول إلى كافة المواقع الالكترونية. ومن القطاعات إلى الاقتصاد، يعتبر التحول الرقمي ركناً أساساً لنمو الاقتصاد العالمي. ففي أوروبا تسارع الدول نحو رقمنة المجتمع لتطوير القطاعات الاقتصادية، الصناعية والتقنية حيث تتصدر كل من هولندا، الدنمارك، السويد وفنلندا قائمة الدول الأكثر  تقدماً من ناحية الاقتصاد الرقمي. هذا وتهتم بعض الحكومات بتحسين مجال التغطية لتصل إلى 80% من منازل الاتحاد الأوروبي، وتغطية 91% من سكان أوروبا بشبكات الجيلين الرابع الخامس.

عربياً تعزز الدول الخليجية ودول منطقة الشرق الأوسط المبادرات المتعلقة بالرقمنة لتتماشى مع آلية العمل في مختلف القطاعات. ترتبط هذه المبادرات بتحسين الموارد البشرية ودعم المهارات الأساسية بعملية التحول الرقمي فتضع كل من الإمارات، المملكة العربية السعودية، قطر، الكويت، مصر خططاً مستقبلية تعالج من خلالها الفجوة المجتمعية وتضمن رقمنة الأعمال لتحسين الخدمات على كافة المستويات.