Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

يعاني قطاع الانترنت في لبنان تدهوراً كبيراً جرّاء الظروف المحيطة في البلاد على الصعيد السياسي والاقتصادي وانهيار الليرة اللبنانية التي بلغت عتبة 30 ألف ليرة مقابل الدولار. فبين الايرادات والانفاق، تواجه شركات خدمات الانترنت والاتصالات تحديات كبيرة للصمود على الرغم من تداعيات الأزمة.

 وسط الحديث عن هدر بمليارات الدولارات في قطاع الاتصالات وخسائر بقيمة 225 مليون دولار، يعاني اللبنانيون من بطء شديد في الخدمة الخليوية وتراجع في أداء شبكة الانترنت. فعلى وقع التحديات المعيشية وانقطاع التيار الكهربائي لساعات أصبح قطاع الاتصالات والانترنت يُنازع بشدّة  بعدما كان من أهم القطاعات الحيوية التي جنت منها خزينة الدولة اللبنانية الأرباح على مدى سنوات. بحسب خبراء قطاع الاتصالات تعود هذه الأزمة لكلفة استيراد الانترنت العالية بينما كانت لا تزال الفواتير المحلية والدولية بالتسعيرة السابقة وفقاً لـ 1500 ليرة لبنانية، غلاء مادة المازوت – التي تدفع بالعملة الأجنبية -  وانقطاعها عن مزودي الخدمات مقابل تخفيض ساعات التغذية، وسرقة الكابلات والبطاريات. كما يعاني القطاع من هجرة اليد العاملة والمتخصصين بمجال الاتصالات حيث تُقدر الدراسات هجرة 21% منهم مع انهيار العملة وتراجع قيمة الدخل. لهذه المشاكل تأثيرها المباشر على خدمة الاتصالات والانترنت التي أصبحت محدودة أو شبه مقطوعة في بعض المناطق وهذا ما سيكلّف لبنان خسائر كبيرة  خصوصاً وقد بات معظم القطاعات منها الرعاية الصحية، الأعمال، التسويق، التعليم وغيرها مرتبطاً بشبكة الانترنت. تحسّباً لكل هذه الصعوبات ومنعاً من الانهيار الكلي، أقرّت وزارة الاتصالات في الأول من تموز 2022 رفع تعرفة الاتصالات والانترنت وبطاقات مسبقة الدفع بزيادة خمسة أضعاف. فخطوط مسبقة الدفع التي كان يبلغ سعرها نحو 40 ألف ليرة سيصبح بين 4 و7 دولارات. بينما دقيقة المكالمة المحلية انخفض سعرها من 25 إلى 8 سنتات أما الخطوط الثابتة فأصبح اشتراكها 5 دولارات على أن تتم زيادة الباقات المتاحة لتناسب الجميع.

 

رفع تعرفة الاتصالات مقابل تحسين الخدمات

تنفيذاً للقرار الصادر عن وزارة الاتصالات عدّلت شركات الاتصالات وخدمات الانترنت في لبنان أسعارها لتصبح الكلفة الشهرية للخطوط الخلوية 125 ألف ليرة بعدما كانت 23 ألف ليرة بهدف تحسين خدمات الباقات المقدمة، منع انهيار القطاع وتأمين استمراريته. منذ بدء الأزمة وتراجع ايرادات شركات الاتصالات بنسبة كبيرة، أصبحت الكلفة الأكبر تُخصص للانفاق على المولدات التي من شأنها تشغيل الشبكة. وتشير مصادر مطلعة إلى أن رفع التعرفة قرار لا بدّ منه في وقت يحتاج فيه القطاع إلى دعم مالي لسد احتياجاته ولتجنّب البحث عن بدائل مالية مصدرها الدولة وليس العكس. بحسب المعلومات الأخيرة وصلت ايرادات القطاع إلى ما دون 70 مليون دولار في وقت وصلت فيه نسبة الانفاق إلى 295 مليون دولار مما يحمّل وزارة الاتصالات وشركات الخدمات أعباء المصاريف الزائدة.

إلى جانب الأضرار المالية، يواجه قطاع الاتصالات في لبنان مجموعة من التحديات على مستوى الخدمة واليد العاملة والصيانة والرواتب، فالهدف الأول حالياً هو القدرة على توفير الطاقة الكهربائية للكابلات وتأمين التواصل والاتصال بالانترنت لكافة شرائح المجتمع. ويعاني القطاع من عمليات الحصول على الانترنت بطريقة غير شرعية عبر التهريب الجمركي وهذا ما يقلل من عدد المشتركين.

يعتبر المعنيون أنه من غير الممكن استحصال الفواتير على سعر صرف 1507 ليرات مقابل الدولار في وقت أصبحت الأسعار في الأسواق تُعتمد على سعر صيرفة أو السوق السوداء التي تلامس الـ 30 ألف ليرة. وفي وقت باتت تسدد فيه شركات مقدمي خدمة الانترنت تكاليفها بالدولار الأميركي طرحت وزارة الاتصالات الآلية الجديدة لدفع فواتير الاتصالات مع طرح الأسعار الجديدة. إلى جانب ذلك خُفّضت إجمالي النفقات الرأسمالية والتشغيلية من 530 مليون دولار في العام 2018 إلى 254 مليون دولار. أما عن أسعار بطاقات الانترنت فأصبحت كلفتها : 3.5 دولارات لبطاقة الـ500MB  والتي كانت 10 دولارات سابقاً، 13 دولاراً لباقة الـ20GB  والتي كانت 39 دولاراً سابقاً، و19.50 دولاراً لباقة الـ40GB  والتي كانت 59 دولاراً وفقاً للتسعيرة السابقة.

وصلت ايرادات قطاع الاتصالات في لبنان بين العام 2010 و2020 إلى نحو 17 مليار دولار في حين كان يتم تشغيل الشبكة لنحو 4 ملايين مشترك مما كلّف 6 مليارات دولار خلال هذه الفترة أي نحو 32% من العائد. مقابل ذلك، تعرّض القطاع نفسه لمليارات من الهدر على مدى عقود أسفرت عن تراجع لبنان ضمن المؤشرات العالمية من ناحية الخدمات والسرعة.

 

أزمة الانترنت تطال المناطق اللبنانية

تعتبر مشكلة الانترنت في لبنان قديمة وتفاقمت مع تدهور الأوضاع مؤخراً حيث انقطعت الخدمة عن أغلبية المناطق اللبنانية التي أصبحت خارج نطاق التغطية بسبب توقف عدد من محطات التشغيل والتغذية عن العمل؛ يعود ذلك إلى عدّة أسباب أهمها ضعف البنية التحتية غير المؤهلة وغياب المشاريع الهادفة إلى امداد الشبكات، مما يمنع تقدم لبنان في هذا المجال مقارنةً بسائر الدول الريادية كالبحرين، الإمارات والمغرب التي تتمتع بسرعة انترنت واتصالات خارقة. تنعكس هذه الأزمة سلباً على حياة المواطنين خصوصاً على هؤلاء الذين يتابعون عملهم عن بُعد أو دروسهم عبر الانترنت. ووفقاً للمؤشرات الدولية تُعد تعرفة الاتصالات في لبنان من الأغلى على مستوى العالم مقابل خدمة سيئة لا تستجيب إلى متطلبات العملاء.

على الرغم من كل التحديات تهدف الدولة اللبنانية ووزارة الاتصالات إلى تبني روحية التعاون وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لاجتياز هذه المحنة. لهذه الغاية تم الاعلان عن بعض الخطوات لإنشاء المزيد من الكابلات البحرية لربط لبنان مع الخارج واعتماد نماذج عمل متطورة ترفع فيها الخزينة اللبنانية نسبة إيراداتها في هذا المجال. هذا وتعكس وزارة الاتصالات رغبتها بتبني المشاريع الخضراء ودعم الطاقة المتجددة والتوجّه نحو الطاقة الذكية التي توفر الكثير على شبكة الاتصالات والبنية التحتية.

كما ترغب وزارة الاتصالات بانعاش المهارات واليد العاملة فيه فلا يمكن المتابعة من دون الطاقات الشابة على أن يعود القطاع إلى ما كان عليه خلال مرحلته "الذهبية" مصدراً للايرادات والأرباح الهائلة.