Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

تندفع الشركات التكنولوجية للاستثمار في عالم الميتافيرس الذي كثّر الجدل حوله والتساؤلات عن طابع الحياة الذي سنشهده في  السنوات المقبلة. أما على مستوى الدول، فهي أيضاً تتسابق لفرض هيمنتها على هذه التقنية من دون أن تكون على يقين بتداعيات هذا العالم على حياة البشرية ومفاهيمها.

 

كالكثير من الابتكارات الرقمية، يقدّم الميتافيرس نبذة عن العالم الخيالي المستقبلي الذي يُمكّن تفاعل الانسان مع الفضاء الالكتروني عبر صور افتراضية  متحرّكة على شكل أفاتار تقوم تقريباً بجميع النشاطات البشرية منها العمل، الرياضة والتسوّق والسفر. تبرز استخدامات الميتافيرس حالياً عبر تقنيات الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والواقع الممتد (XR). لغاية الآن لا تزال استخدامات الميتافيرس غير واضحة بعد ما إذا كان الانسان يريد اعتمادها كلياً أو التنقل بينها وبين الواقع الحقيقي لتلبية مختلف احتياجاته.  يتّجه المستثمرون نحو شراء العقارات والتقنيات الرقمية في ميتافيرس الذي يتيح لأي مستخدم شراء عقار رقمي بملايين الدولارات فيكفي التسجيل أولاً على أي من منصات الميتافيرس ثم تحويل النقود إلى عملات رقمية للتصرّف بها. ومع تزايد الاستثمار في الأراضي الافتراضية تطوّر الشركات الأدوات المناسبة لتجعل المستخدم قادراً على لمس الواقع الافتراضي والاستشعار بدرجات حرارته والتفاعل مع المحيط الالكتروني كما لو كان حقيقياً.

 

تمويل مشاريع ميتافيرس عالمياً... ثورة جديدة ما بعد الانترنت

تُعلن الدول حول العالم نيتها بخوض تجربة الميتافيرس على الرغم من كل المخاوف والانتقادات التي تُثار حوله. بدورها أعلنت حكومة كوريا الجنوبية دخولها إلى عالم الميتافيرس تحت مشروع "ميتافيرس سول" بكلفة نحو ثلاثة مليارات دولار كخطوة نحو استراتيجيتها المستقبلية لخطة "سول" 2030. يشمل هذا المشروع إنشاء نظام اتصالات افتراضي يستجيب إلى متطلبات ميتافيرس من الخدمات التعليمية، الترفيهية، الاقتصادية والمدنية كما ستخصص الحكومة مبلغاً مالياً لتحسين البنية التحتية الرقمية وتعزيز الخدمات الالكترونية على ثلاث مراحل بدءاً من هذا العام. على ضوء ذلك، ستتحول الحياة الواقعية في المدينة إلى حياة افتراضية على كافة المستويات.

بدورها اليابان قد تعلن عن قيودها الجديدة التي تسمح بالتعاملات المالية الافتراضية والتحويلات الالكترونية والتعاملات بالعملات المشفرة المستقرّة. كذلك أعلنت وكالة الخدمات الأميركية عن قوانين تمنع أي شركة أخرى غير البنوك من اصدار العملات الرقمية مع مطلع هذا العام للحفاظ على الأمن الاقتصادي للأسواق العالمية. إضافة إلى ذلك يعمل عمالقة التكنولوجيا العالمية على إطلاق الحواسيب والتقنيات المدعومة بالواقع المعزز للتفاعل الرقمي مع الميتافيرس.

تتجه المدن إلى المغامرة التنافسية في هذا المجال الواعد الذي سيشكّل نقلة نوعية في عالم الانترنت والتقنيات ثلاثية الأبعاد. أما المنافسة الأكبر فتتمثّل بين الصين والولايات المتحدة الأميركية بعد اندفاع كليهما إلى عالم الميتافيرس: أطلقت شركة صينية أوائل تطبيقات ميتافيرس المتاح فقط في الصين والذي يمكن استخدامه عبر الهواتف الذكية والكمبيوتر ونظارات الواقع الافتراضي لينتقّل من خلاله المستخدم بين المدن الافتراضية وزيارة الأماكن الطبيعية. وتطوّر الصين منصاتها الخاصة بالميتافيرس مستندةً إلى خبرتها في هذا المجال.

 

شراء العقارات في ميتافيرس خدعة أم مغامرة؟

يشهد سوق العقارات الافتراضية إقبالاً كبيراً من قبل عمالقة التكنولوجيا وشركات العقارات الافتراضية لتأسيس مواقعها الخاصة في عالم ميتافيرس والاستفادة من قدراتها. فبحسب الخبراء يمكن لأي فرد أن يستثمر في العالم الافتراضي ويختار العقار الرقمي أو  يقوم بتأجيره أو بيعه مع التأكد من الملكية عبر رموز خاصة. لكن من المهم أن تتطابق العملات المشفرّة في محفظتك الرقمية مع منصة الملكية الرقمية، وبمجرّد الانتهاء من هذه الخطوات يمكنك تخزين قطعة الأرض الافتراضية التي اشتريتها في محفظتك الخاصة. تتفاوت الأسعار استناداً إلى موقع الأرض والمنطقة وبنيتها التحتية.  فبين العقارات الافتراضية والموثوقية في الشراء، هل عالم الميتافيرس خدعة مليئة بالمخاطر أم مغامرة ناجحة؟ يجد البعض أن شراء العقارات في الميتافيرس هو سبيل لتحقيق الاستثمار الناجح فمن المرجّح ارتفاع قيمة العقارات الافتراضية مع المرحلة القادمة، حيث تم مؤخراً بيع قطعة أرض بقيمة مليونين ونصف المليون دولار تقريباً عبر منصات لعملات الميتافيرس "ديسنترا لاند" بعملة "مانا"،  إلى جانب شركة "ساند بوكس" بعملة "ساند". كما  ترغب ميتافيرس غروب في تحويل الاراضي الافتراضية إلى أراض تجارية توسّع فيها العلامات التجارية مشاريعها. وإلى جانب العقارات، تم بيع يخت افتراضي مقابل 650 ألف دولار. أظهرت البيانات التهافت الكبير على العملات المشفّرة لتُنفق أكثرمن 100 مليون دولار أسبوعياً على العقارات الافتراضية. لكن ماذا يمكن أن تفعل بالعقارات الوهمية؟ تتيح لك العقارات في الميتافيرس التجوّل أو زيارة المدن وحضور حفلات افتراضية حيث بدأت إحدى الشركات استضافة جمهور افتراضي بيعت التذاكر لهم مقابل العملات الرقمية.

 تبقى احتمالية الخسارة واردة  فقد تختفي الأرض أو المدن الرقمية مع توقّف المنصة التي تمت عملية الشراء فيها. يَعِدُ عالم الميتافيرس بالكثير فمن المتوقع أن تصل قيمته السوقية قريباً إلى تريليون دولار مما زاد الاستثمار فيه في مجال العقارات، الألعاب والترفيه وغيرها الكثير في وقت لم يعد المستخدم محدوداً ضمن إطار زمني أو مكاني معيّن بل بامكانه الوصول إلى كل المدن الافتراضية بكبسة زر من منزله.  

 

إنجاز المهام افتراضياً... كيف يستعد العالم لهذا التحوّل؟

تتحكّم مفاهيم الميتافيرس بحياتنا اليومية لتغيّر الوقائع وتبرز العملات الرقمية عالمياً لتتنافس بشكل أكبر بعد الانتقال إلى حقبة جديدة تماماً. فالميتافيرس لن يكون وسيلة للترفيه فقط بل سيجوب نشاطاتنا وأفكارنا لنتمكّن من إنجاز الأعمال وإتمام المعاملات ونستثمر ونتاجر في العقارات والممتلكات إفتراضياً. كعملة البيتكوين وغيرها من شركات العملات تضخ مليارات الدولارات في عالم الميتافيرس معتمدةً على اللامركزية في إقرار القوانين التي تتحكّم بالسوق الافتراضي. لم يقتصر اهتمام المشتركين بالميتافيرس على المستثمرين فقط، بل تطمح بعض الدول بنقل سفاراتها إلى عالم الميتافيرس إلى جانب المتاحف العالمية التي تعمل على حجز مساحة لها لتصل إلى عدد أكبر من الناس. وتُنسّق الشركات التجارية العمل في ما بينها لمواجهة التحديات التي ستطرأ بعد هيمنة العملات المشفرة على العملات التقليدية. كانت جائحة كورونا محفزاً لاستعداد العالم أكثر إلى هذه التقلبات وتكيّفه مع الواقع الجديد، فبحسب الدراسات أثبتت مختلف المجالات نجاحها في الانتقال إلى العالم الالكتروني 100% في ظل الجائحة منها قطاع التعليم والسياحة والتوظيف والصحة والتجارة والعمل عن بُعد.  

يتخوّف خبراء في التنمية البشرية من تداعيات الميتافيرس على المدى الطويل حيث ستحل التقنية الجديدة مكان السلوكيات الملموسة فيبتعد الانسان عن واقعه الحقيقي ويعيش منعزلاً في عالمه الافتراضي تتحكّم فيه الآلات الذكية.

 

يعكس الميتافرس رؤية ثلاثية الأبعاد تسد الفجوة بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي حيث يمكن للانسان اختبار مساحات افتراضية غير ملموسة. هنا تنقسم الآراء بين من يعتقد أن الميتافيرس هو أمر طبيعي نتيجة التقدّم التكنولوجي الذي نشهده من سنة إلى أخرى بينما يعتبر البعض الآخر أن الميتافيرس يهدد كيان الانسان ووجوده حيث تذهب به الشركات إلى أبعد ما هو معقول ويبقى لنا انتظار الأيام المقبلة لتثبيت صوابية إحدى النظريتين.