Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

تعتمد المنطقة العربية على التقنيات التكنولوجية والذكية لمعالجة التحديات الطارئة. وتهدف دول المنطقة، الخليج والدول العربية فأفريقيا والشرق الأوسط، من خلال رؤيتها المستقبلية الى تمكين المهارات الشابة والكفاءات الملائمة لتحسين نمط العيش واستضافة الشركات والاستثمارات من جميع أنحاء العالم.

 ضمن رؤية المملكة العربية السعودية 2030، تضع القيادات والهيئات العامة والخاصة خططها الاستراتيجية التي تعتمد بالدرجة الأولى على التطبيقات الذكية. كما تسعى البلديات والمدن في المملكة إلى تحقيق التنمية المستدامة والتوازن الاجتماعي والاقتصادي والرقمي لتعزيز حركة السوق ورفع التنافسية. من هنا تُعد المدن الذكية من أهم المبادرات على صعيد الدولة لتحويل القطاعات من الخدمات التقليدية إلى الخدمات الذكية المدعومة بالجيل الخامس وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي. في هذا السياق، أوضحت وزارة الشؤون البلدية والقروية والاسكان في المملكة أنه سيتم إطلاق نحو 50 مبادرة في مختلف القطاعات لتنشيط الأنظمة الذكية وتحسين الادارات كافة وتحقيق الاستدامة المالية. يرتبط بناء المدن الذكية برؤية المملكة 2030 التي تطمح إلى التطور والتكيّف والارتقاء بجودة الحياة. ويُجسّد هذا المشروع الاستدامة والابتكار على كل المستويات لتصبح المملكة مركزاً عالمياً للتقنية والأعمال. يشمل مفهوم المدينة الذكية التوصل إلى بيئة ملائمة للازدهار، دعم الابتكار، تطوير الأفكار وإقامة بنية تحتية رقمية اقتصادية متينة تستجيب للتحولات السريعة.

ترى المملكة أن التكنولوجيا هي "النفط المستقبلي" الذي سينعش اقتصاد المملكة ويرسم خريطة الريادة العالمية في ما يتعلّق بتحقيق التنمية  والتطوّر. كما تطمح المملكة إلى رفع حصة الايرادات غير النفطية في الناتج المحلي من 16% إلى 50% بحلول العام 2030. فضلاً عن ذلك، توفر المدن الذكية آلافاً من فرص العمل الجديدة كما تساهم برفع الناتج المحلي وازدهار المجتمع ككل. كما أنها توفر حلولاً فائقة تستعد من خلالها المملكة إلى مرحلة ما بعد الوباء. لذلك تسعى المملكة العربية السعودية اليوم لاستقبال المؤتمرات وورش العمل لفهم كيفية قيام مدينة ذكية متكاملة المقومات، والقدرة على مواجهة التحديات. بينما تقدم دول العالم نموذجاً عن كيفية استغلال التكنولوجيا لتطوير المجتمع، تعتبر الدول الخليجية جزءاً من هذه الشبكة الذكية. تبلغ قيمة الاستثمارات المحتملة لتنفيذ المدن الذكية في المملكة العربية السعودية 500 مليار دولار على أن يتم الانتقال إلى بيئة ومجتمع رقمي.

 

مشروع "ذا لاين": تحقيق مثاليّة العيش

ترسم مدينة "ذا لاين" – The Line في نيوم – NEOM  مستقبلاً جديداً للمملكة وقد أعلن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان أن من خلال التصاميم الفريدة تهدف هذه المدينة إلى تحسين حياة البشرية وتساعد على مواجهة التحديات لكل الأزمات التي لا يمكن تجاهلها.

بالنسبة للتصميم الخارجي، ستتميّز "ذا لاين"  بالأسطح الزجاجية على جانبها لتعكس البيئة والطبيعة المجاورة كما ستتعهّد المملكة ببناء المدينة وفقاً لأحدث الأدوات والحلول. أما بالنسبة للمساحات الداخلية فسيكون البناء مكوّناً من طبقات عمودية تتيح للناس التنقل بسلاسة نحو الاتجاهات الثلاثة للوصول إلى أي مكان بظرف دقائق. ترتكز مدينة "ذا لاين" على التصميم الذكي والابتكارات الرقمية. تأتي تصاميم هذه المدينة لتؤكد ازدهار رؤية المملكة ومشاريعها المستقبلية الجامعة بين الحداثة والتطوّر. على الخط نفسه، تعكس "ذا لاين" صورة المجتمعات المستقبلية حيث لا وجود للسيارات والانبعاثات الضارة. تحافظ نيوم على 95% من الطبيعة الخضراء كونها تعتمد على الطاقة المتجددة 100%. تعالج هذه المدينة مشكلة المدن الأفقية التقليدية، فهي  ترتكز على مفهوم "انعدام الجاذبية" أي توزّع كل مكوناتها بطبقة عمودية. ومن خلال هيكلها الاستثنائي يمكن أن تتوصل "ذا لاين" إلى مجتمع متطور تماماً يحاكي المستقبل الرقمي.

سبق أن تم الاعلان عن هذا المشروع في العام 2017 حيث أشار الأمير محمد بن سلمان الى أن هذه المدينة ستوفر مساحة أكبر لاستخدام المركبات ذاتية القيادة لحل مشكلة المواصلات فلن تستغرق الرحلة أكثر من 10 دقائق كأقصى حد. ومن المرجح أن تضم مدينة "ذا لاين" مليون شخص وهي تمتد على مساحة 170 كلم.
هذا ويشكل الذكاء الاصطناعي جزءاً بارزاً ضمن تكوين المدينة حيث من خلالها يمكن مراقبة كافة أنحاء "ذا لاين" والاعتماد على البيانات وتحليلها لتحسين الخدمات المتوفرّة لا سيّما في القطاعات العامة.

يُعد هذا المشروع من الخطوات البارزة لتركيز مكانة الممكلة العربية السعودية على مستوى العالم، ومن المتوقع أن يضيف بناء المدينة الذكية 48 مليار دولار على الناتج المحلي الاجمالي بحلول العام 2030.

إلى جانب المملكة العربية السعودية، ها هي مشاريع المدن الذكية تتوسّع على نطاق أكبر حول العالم، ومنها برشلونة، سنغافورة وسونغدو في كوريا الجنوبية التي قامت بتعديل مدنها مع تزويدها بأجهزة الاستشعار ومراقبة الشوارع عبر التطبيقات الذكية.

ومع التحول الكبير الذي نشهده على صعيد البيئة والصناعة والقطاعات كافة، تعمل الحكومات على تحقيق التحول الرقمي في البنية التحتية والعمران لبناء مدن متكاملة تحمل كل مقومات التكنولوجيا الجديدة. تتيح الأبنية الذكية استخدام الطاقة المتجددة والاعتماد على الشبكات اللاسلكية. كما تركز دول المنطقة على تلبية احتياجات المواطنين كجزء من استراتيجية التحول.

أما عن دور الحلول الرقمية والتحول الرقمي، فتشير الهيئات المعنية إلى أهمية التكنولوجيا التي تتولى دوراً كبيراً في تحقيق احتياجات الانسان من جهة وتمكين أسس المدينة الذكية من جهة أخرى.

 

الاتصالات والتقنية من ركائز المدن الذكية

تُستخدم البيانات بوتيرة أكبر مع تعدد الأنظمة الذكية والبرمجيات على الانترنت إلا أن المدن المتطوّرة تعتمد اليوم وأكثر من أي وقت مضى على تحليل البيانات لصنع القرارات وتحسين حياة المواطنين. تتشكّل المدينة الذكية من عدّة ركائز تنقسم بين طبقة الاتصال، التي تشمل الاتصال على الهواتف المحمولة والثابتة وتقنية الواي فاي ومختلف أنواع الاتصالات العامة والخاصة تليها مراكز المعلومات والبيانات التي تجمعها الحكومات ويمكن الوصول إليها بسهولة، طبقة التحليلات حيث يتم تحليل البيانات وتحويلها إلى أنشطة قائمة بحد ذاتها لتقسيم الخدمات بشكل أنسب. طبقة التطبيقات التي تمكّن دمج الخدمات وإدارتها للوصول إلى مختلف الأنظمة من كافة القطاعات. أما الركيزة الأخيرة فهي طبقة المستخدمين والعملاء النهائيين، التي تتشكّل من الهيئات العامة والأفراد والشركات الخاصة حيث تُجمع البيانات من التطبيقات الذكية وأجهزة الاستشعار. تركّز المدن الذكية على تحقيق التكامل بين هذه الركائز لتشمل كل الأنظمة من مختلف الادارات والتطبيقات التابعة للقطاع العام والخاص.  

 

مستقبل المدن الذكية: ازدهار وتطور على الرغم من التهديدات

يعتقد الخبراء أن المدن الذكية ستتطوّر بشكل مستمر خلال السنوات المقبلة لتتجه أغلب دول العالم إلى هذا النموذج لتوفير أعلى مستوى من الخدمات. وبينما تسهّل المدن الذكية الحياة اليومية، إلا أن ذلك يتطلّب جمع كمية هائلة من البيانات الضخمة. يستخدم خبراء التخطيط المدني البيانات الضخمة وتقنية إنترنت الأشياء حيث تترابط فيها الأجهزة منها اشارات المرور، حاويات النفايات وغيرها العديد. تحتل البيانات الضخمة مكانة كبيرة في المدن التقنية خصوصاً تلك التي تعاني من اختناقات وازدحام بحركة المرور مثل العاصمة الهولندية، أمستردام.  وتشكل رقمنة البنية التحتية جزءاً من مشروع المدن الذكية، حيث تساعد اشارات المرور الذكية على خفض حركة الزحمة بنسبة 15% تقريباً.

إنما للهجمات السيبرانية حصة أيضاً في عالم المدن الذكية، إذ تتسبب بضرر كبير في حال تعرَض أحد الحسابات أو المعلومات للاختراق. يتوقّع خبراء في مدن المستقبل وقوع الكثير من الهجمات السيبرانية وإصابة العديد من القطاعات الصناعية والتكنولوجية بأزمة ضارة قد تُكلّف الدولة الكثير.

تؤكد الدراسات أن السبب الأبرز لارتفاع عدد الهجمات السيبرانية هو عدم الفهم والوعي الكافي لتجنّب الهجمات المحتملة أو كيفية التصدي إليها. وبما أن المدن التقنية هي عرضة دائماً لكل أنواع الانتهاكات الالكترونية، يشدد المتخصصون على تحميل برامج الحماية المحدّثة وأن تكون الخوادم معترفاً بها من قبل iso فهي تستوفي بذلك شروط المنظمة الدولية للمعايير بهدف إبعاد المتسللين ومحاربتهم. من خلال هذه المعايير تحارب الشركات عمليات القرصنة للبيانات.

تخطط الشركات للحياة المقبلة والتقنيات المستقبلية مع تنوع الأجهزة الالكترونية وتعددها، فالهجمات لم تكن فقط خلال فترة انتشار الوباء، بل هي مشكلة لطالما عانى منها القطاع التكنولوجي والتقني على مرّ السنوات. هنا يأتي دور المدن التقنية لتنظيم الأعمال وإمكانية الوصول إلى المعلومات والبيانات خاصة وأن الشركات التكنولوجية الكبرى دخلت إلى سوق المدن الذكية بقوة في الفترة الأخيرة لاختبار هذه التجربة. ويُعد التحول السريع وتغيير الاقتصاد العالمي فرصة أساسية لانعاش المدن التقنية فمن المتوقع أن يرتفع سوق المدن التقنية على صعيد العالم من 460 مليار دولار في العام 2021 إلى نحو 870 مليار دولار بحلول العام 2026 .