Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

تتوالى انجازات التكنولوجيا لتطال كل جوانب حياتنا، ومع الممارسات الجديدة اجتازت التقنيات مرحلة متقدمة غيّرت كل معالم الواقع. وإذا بالمدن تشهد تطوراً غير مسبوق مدفوعاً بالموجات اللاسلكية وشبكات الاتصالات والجيل الخامس.

تُنفق الدول مليارات الدولارات على تطوير مدنها وتحسين بنيتها التحتية فمن المتوقع أن تصل نفقات مشاريع تطوير المدن الذكية العالمية إلى نحو 41 تريليون دولار خلال الفترة الممتدة من العام 2016 لغاية العام 2036. ترتبط المدن الحديثة عبر تقنية انترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي إنطلاقاً من الشوارع، السيارات ذاتية القيادة والمجمّعات الذكية. تلتزم الأخيرة بنظام بيئي محدد من شأنه تخفيض الانبعاثات الكربونية باعتبار أن المدن تستهلك أكثر من 65% من الطاقة على مستوى العالم، أي ما يشكّل النسبة الأكبر من الانبعاثات. يتمحور جوهر المدن الذكية ليس فقط حول التقنيات التكنولوجية الحديثة بل حول المباني والهندسة المعمارية المتطورة. تختلف التصاميم المعمارية بين الحقبتين السابقة والحالية فهي تتميّز ببناء أكثر حداثة وذكاءً وتفاعلاً مع السكان للاستجابة إلى متطلباتهم. ترتكز الهندسة الحديثة على المقومات البصرية الخارجية مع تعزيز الابتكار في الاختراعات الداخلية المتطوّرة والمشاريع المستقبلية في الوقت نفسه.

 

مشاريع البناء المستقبلية في خطواتها الأولى

تشهد الهندسة المعمارية ثورة صناعية جديدة تحوّل المدن التقليدية إلى مدن ذكية تتواجد فيها كل التقنيات والحلول التكنولوجية. ويهدف تصميم هذه المدن إلى حماية الطبيعة فهي تتكوّن من مجتمعات متقدمة توفر أسلوباً استثنائياً لسكانها. ينسجم المهندسون الحاليون مع التخطيطات المستقبلية لبناء مدن افتراضية متكاملة. وللتكنولوجيا فوائدها التي تتيح للعملاء والسكان امكانية تقبّل التصاميم ثلاثية الأبعاد بالاضافة إلى النظر بالبيئة الافتراضية التي تُحسّن فرص الأعمال وتعزز المهارات.

تُمثل المملكة العربية السعودية نموذجاً عن المدن الحديثة المقبلة حيث بدأت ببناء مشروع نيوم  NEOM الواقع على مشارف البحر الأحمر، "ذا لاين" الذي تتوسع مجتمعاته على ثلاثة أبعاد تتيح للسكان التنقل فيه بسرعة خيالية لا تتجاوز الخمس دقائق بين الأحياء وعشرين دقيقة بين أبعد نقطتين من المشروع. وبحسب المعلومات، من المتوقع الانتهاء من المرحلة الأولى من المشروع بحلول العام 2025. تتميّز هذه المدينة بمساحتها الفريدة التي تتراوح بين 500 متر ارتفاعاً  200و متر عرضاً على امتداد 170 كلم فقط من الواجهات الزجاجية المؤلفة من المرايا. تتمّز مدينة "ذا لاين" بموقعها الساحر لتكون نقطة التقاء للتجارة العالمية حيث سنتشط الأعمال والصناعات على أنواعها توازياً مع ازدهار الاقتصاد. يُجسّد هذا المشروع رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء وسائر التقنيات، وهي ستكون خالية من الانبعاثات الكربونية فيما تكثر فيها السيارات الكهربائية الصديقة للبيئة؛ كما ستقوم المنطقة السكنية والصناعية على الطاقة النظيفة المتجددة بنسبة 100%. على سواحل البحر الأحمر ستحوي مدينة "ذا لاين" أكبر مجمع صناعي عائم في العالم، أما عن تكلفة هذه المدينة فيُقدّر القيّمون أن تبلغ قيمة 500 مليار دولار. إلى جانب التكنولوجيا الحديثة، ستكون نيوم من المدن الأكثر أماناً في العالم كما أنها ستوفر فرصاً عدّة للنمو والتطور في مختلف الوظائف. يدمج هذا المشروع الحلول الرقمية والثقافة الحضارية بين المساحات الطبيعية والعمرانية. وتجذب نيوم الاستثمارات من الشركات العالمية والمحلية لتحقق نقلة نوعية على مستوى البلاد. سيواكب سكان المشروع العالم الرقمي مع اعتماد نمط جديد للعيش مع استخدام التكنولوجيا في الطب والزراعة والنقل والصناعة  والأقمار الصناعية وغيرها من الخدمات.

يستخدم المهندسون الواقع الافتراضي لعرض المشاريع ومساحات البناء حتى لو كانت بمراحلها الأولى. تتيح تقنية اللمس للعملاء الشعور بكل نماذج الواقع الافتراضي من الأثاث للأسطح وغيرها الكثير من العناصر المهمة في مشاريع البناء. تستخدم اليوم شركات الهندسة المعمارية التكنولوجيا بدءاً من مراحل التصميم إلى مراحل الانشاء ضمن مشاريع قابلة للتطوير في ظل الثورة الصناعية الرابعة.

 

ميتافيرس في المساحات الافتراضية

تتخطى عوالم ميتافيرس العملات المشفرة لتصل إلى الشركات المعمارية حيث يتم تطوير مجال التصميم بمساعدة المراكز المتخصصة. ويعتقد الخبراء أن الهندسة المعمارية الناشئة هي التي تتناول المدن الذكية في العالم الافتراضي والحقيقي مع البحث بكيفية دمج التقنيات وتحويل الحياة التقليدية إلى حياة معاصرة. تحترم المدن الجديدة البيئة من خلال البناء المتطوّر الذي يتميّز بتصاميم جمالية تحترم الطبيعة الخضراء. وكما يوفر ميتافيرس مساحة للتداولات الافترضية، كذلك يُبرز العقارات في عالم واسع المعالم.

 

ترقية الخدمات استجابةً لمتطلبات السكان

يهتم المستثمرون في الانفاق على إنشاء وتطوير المدن الذكية نظراً للنمو السكاني خلال السنوات المقبلة. وعلى ضوء ذلك، تعتبر المدن الذكية من أهم الابتكارات حيث تقدم ترقيات عدّة. تدعم البنية التحتية لهذه المدن التنمية الاجتماعية والاقتصادية القائمة على النمو السريع وتعدد الاحتياجات. ويشير الخبراء في هذا الاطار إلى تطوير جيل جديد من المدن الذكية التي تركّز على العوامل البشرية أيضاً إلى جانب ترقية الخدمات اللوجستية. كما تساهم المباني الذكية بزيادة الاستثمارات الناجحة لتكون أكثر ذكاءً وفعالية. تتصل مباني المدن الذكية بالشبكات اللاسلكية مما يؤثر على الانتاجية، يُحسّن الكفاءات ويعزز المهارات للوصول إلى إمكانات لامتناهية بكلفة مدروسة. تعتمد المدن الذكية بشكل أساسي على الأتمتة حيث تقوم هذه التقنية على تحليل البيانات بطريقة سهلة من خلال إنشاء بنية تحتية رقمية مجهّزة. تتيح مدن المستقبل الفرصة لتحقيق التوازن بين أنظمة البناء القادرة على تحليل البيانات وتحديد الاتجاهات الرئيسة للمرحلة المقبلة التي تجمع بين سهولة التطبيق وأهمية تفعيل القدرات التشغيلية. تلعب تقنية إنترنت الأشياء دورها من خلال تجميع البيانات وتحليلها والاستجابة إليها لرفع جودة الحياة.

مقابل ذلك، قد تواجه الحكومات بعض التحديات بخصوص الاستثمار في المدن الذكية، فلا يكفي جمع البيانات وتحليلها بل يجب الأخذ بالاعتبار توفر القدرات البشرية واليد العاملة القادرة على فهم التحولات الرقمية والتغييرات في الأنظمة والبيئة الافتراضية. لذا يتم العمل على توفير الحلول المبتكرة لتحقيق التنمية المستدامة والاستثمار في المباني الذكية بشكل أكبر والتوسع بالمشاريع الناشئة وكيفية إدارتها والتحكم بها.

تُثبت التكنولوجيا ضرورة استخدام التقنيات والروبوتات حتى في عملية البناء والهندسة لبناء فريد قائم على التطور، الحداثة والابتكار. ينسجم المهندسون مع هذه التحولات التي تترجم على خرائط واستراتيجيات البناء لاكتمال المباني وفقاً للشروط المتعارف عليها دولياً.

تواجه الهندسة المعمارية الجديدة مسارات الوظائف الجديدة الغنية بالتقنيات والحلول المبتكرة بالاضافة إلى الخبرات المتطورة في مجال التصميم والبناء والتطبيق. أما سوق العمل فيستفيد اليوم من التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لتوظيف التكنولوجيا بكل أشكالها وتغذية التقنيات الجديدة.