Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

سرّ الحياة وسبب الموت، ماذا بعد الحياة ورسالة وجودنا، أسئلة تُطرح باستمرار دون اجابات شافية. وكما في الحياة اليومية، تطوّر الذكاء الاصطناعي في الأعمال ليكون أبعد من مجرّد تقنية تدعم الآلات وتسهّل العمليات التشغيلية بل أصبح وسيلة للتنبؤ بالموت والاتصال بالأشخاص عند مفارقتهم الحياة.

يستثمر خبراء التكنولوجيا ملايين الدولارات على الذكاء الاصطناعي وتطوير شبكات الاتصالات والتقنية مع تحديث مراكز البيانات وتحسين الخدمات والأنظمة المعتمدة للتعامل مع المستخدم بسرعة ودقة. وتُعد الثورة الصناعية الرابعة من أهم دوافع تقدّم الرعاية الصحية ونمو العلاجات الفورية. وأظهرت الدراسات دور التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في توفير أعلى مستوى من العلاج وأكثرها دقة ومساعدة المرضى على مراقبة أعراض الجسم وتجنّب الاهمال، كما بات بإمكان الذكاء الاصطناعي التنبؤ بالموت المفاجئ الذي فشل الأطباء في تحديد وقته لسنوات طوال.

الذكاء الاصطناعي صلة وصل بين الحياة والموت  

تشكّل النوبات القلبية 10 إلى 20% من سبب الوفيات حول العالم. أما مع الذكاء الاصطناعي فيشير الخبراء الى أنه بات ممكناً التنبؤ بحدوث السكتة القلبية المفاجئة قبل وقوعها. فبعد تحليل البيانات الطبية  لآلاف الأشخاص حول العالم إلى جانب الأشخاص الذين دخلوا المستشفى بسبب النوبة القلبية ولم يموتوا، تمت تجربة الخوارزميات الجديدة على البيانات المحفوظة حيث تمكّنت من تنبؤ وفاة الأفراد قبل ثلاث أشهر. تجاوزت دقة تنبؤ الخوارزميات نسبة 90% مما أكد دخول عالم الطب مرحلة جديدة من التشخيص لانذار الأفراد بكل الأمراض مهما بلغت خطورتها وعلى رغم اختلاف العوارض من شخص إلى آخر.

ومن القدرات التي توصل إليها الأطباء من خلال الذكاء الاصطناعي، قدرتهم على فحص المصابين بأمراض قلبية بحالات متقدّمة والكشف عن المعرّضين للاصابة بأي من هذه الحالات بنسبة 93%.

لا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل تتيح شركات التكنولوجيا اليوم امكانية التفاعل والاتصال افتراضياً بأشخاص فارقوا الحياة. من خلال الذكاء الاصطناعي يتم تسجيل مقاطع مصورة (الحركات والصوت) عن الشخص فتقوم الشركات باستنساخ صورة رقمية كاملة من شخص المتوفى يمكن التفاعل معها بطريقة حيّة.

أما ميتافيرس فهو جزء من هذا العملية حيث يتيح صناعة نسخة افتراضية عن الأشخاص أيضاً. وبحسب علماء النفس يساعد هذا الابتكار أفراد العائلة على تقبّل فكرة الموت بشكل تدريجي اذ ستكون أمامهم امكانية التواصل مع من يحبون بنسخة رقمية موجودة أمامهم.

مخاوف أخلاقية وتحديات قانونية

جدال لامتناهٍ حول الذكاء الاصطناعي يدور بين الأوساط التقنية ورواد القطاع بين مؤيدين لهذا النمو ومعارضين له باعتباره ينتهك خصوصية الانسان، يهدد كيانه ووجوده ويخرج عن سيطرته. وفي هذا الاطار، تشير بعض المصادر الى الأخطاء التي قد يرتكبها الذكاء الاصطناعي بتنبوئه عن وفاة أي مريض استناداً إلى بيانات خطأ. في هذه الحالة، على من يقع العقاب؟ على شركات التكنولوجيا أو على المستشفى التي تتبنى التقنيات لهذه الغاية أو على الذكاء الاصطناعي بذاته؟ فيمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي منحازاً إلى نتيجة معيّنة بعد حفظ بعض الكلمات الواردة في البيانات مما يؤدي إلى التوصل لنتائج خاطئة.

قسم آخر من المعارضين يعتبر أن النسخة الرقمية هي انتهاك لخصوصية الأشخاص الذين فارقوا الحياة، فلا يحق استغلال بياناتهم لأي غاية كانت. ولأن الذكاء الاصطناعي غير معصوم عن الخطأ قد يُظهر من فارق الحياة بطريقة غير متوقعة ما قد يكون وقعه كبيراً على أفراد العائلة.

على المستوى الاجتماعي، قد تبدو النسخ الرقمية  فكرة ممتازة إنما فعلياً هي موجهة لفئة معيّنة من المجتمع أي من يتمتعون بوعي كافٍ لتقبّل هذا النوع من الابتكارات الفائقة. وتعتبر شركات التكنولوجيا أنه يجب تهيئة عائلة المتوفى نفسياً لهذا اللقاء الافتراضي لتجنّب أي ردّة فعل عكسية. من وجهة نظر العلاج النفسي، قد يسهم التفاعل مع النسخة الرقمية بخلل كبير في العلاقات المجتمعية والانسانية ويزيد لدى الانسان رفضه لفكرة الموت أو مفارقة الحياة نهائياً، كيف لا وقد أصبحت التكنولوجيا وسيلة لاحياء البشر.  

توقعات مستقبلية للابتكارات الرقمية

يتطوّر الذكاء الاصطناعي ويأخذ من اهتمام عمالقة التكنولوجيا نظراً لوتيرة النمو السريعة عالمياً وما قد تحمله لنا السنوات المقبلة. ففي عالم رقمي وذكي، من المتوقع أن يوازي الذكاء الاصطناعي الانسان بذكائه بحلول عام 2030 وعلى هذا الأساس تبني الحكومات استراتيجياتها المستقبلية.

تأخذ الآلات الذكية والشبكات الرقمية مكانتها في وقت يتوقع فيه الخبراء أن يتوسع نطاق الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030 ليلبي كل الخدمات ويستجيب إلى المتطلبات كافة بمرونة وسرعة.

وفي ما يتعلّق بالأمن الرقمي، تميل شركات التكنولوجيا إلى اتخاذ القرارات الحاسمة في هذا الموضوع للتحكم بنماذج الذكاء الاصطناعي ومنع انتشار الهجمات السيبرانية التي قد تؤدي إلى سيناريوات كارثية تبدأ مع قدرة المهاجمين على تعطيل الأنظمة الذكية المعتمدة في الأماكن العامة أو تهكيرها، استهداف البنية التحتية الرقمية مما يؤثر وبشكل مباشر على أعمال المدن الذكية، تهديد البيانات والمعلومات وتعرّض العملاء إلى الانتهاك الرقمي، ونشر المعلومات المضللة لاثارة الفتنة.

وفي مثل هذه الحالة، تعلن الهيئات الفاعلة جهودها المستمرة للارتقاء بجودة حياة الانسان دون أي ضرر مقابل بل الاستفادة القصوى من قدرات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. ومن بين طرق التصدي كان القرار بالتوقف لفترة معيّنة عن تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً، العمل على تقبّل التغييرات الناجمة عن الثورة الصناعية الرابعة ومحاولة التأقلم معها ومحاولة تحصين المجتمعات من مخاطر التكنولوجيا بشكل عام. هذا بالإضافة إلى توظيف المهارات المطلوبة في هذا المجال، تطوير الأدوات المتاحة لتوفير الحماية السيبرانية وتقوية البنية التحتية للتصدي بسرعة لكل المشاكل أو الثغرات المحتملة.

بين تطوير أسلوب الحياة ودخول "العالم الآخر" ما بعد الحياة، يبقى الذكاء الاصطناعي مسألة شائكة، على مستخدميه معرفة كيفية الاستفادة من هذه التقنية بما يتماشى مع الرؤية والسياسات الرقمية وعدم التعدي على خصوصية الأفراد أحياء كانوا أم لا.