Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

"قدم لنا معلوماتك الشخصية كي تتمكن من الاتصال بالآخرين، أو الوصول إلى المعرفة، أو شراء البضائع". هذا هو المفهوم العام المعتمد من قبل عمالقة التكنولوجيا كي يتحكموا بمستخدمي الإنترنت.

 في ظل اتساع نطاق عقد خصوصية البيانات، الذي يضم مئات الملايين من ملفات تعريف محتوى المستخدم، يزداد استياء المستخدمين من إدراكهم بأن آخرين يستفيدون من معلوماتهم الشخصية. وبينما تواجه ممارسات مراقبي البيانات انتقادات حادة من الحكومات والمستخدمين على حد سواء، أصبحت خصوصية البيانات من أبرز القضايا في عالم التكنولوجيا.

إذ تؤثر هذه الخصوصية على نظام البيانات بأكمله، بدءاً من الأفراد وصولاً إلى الحكومات. لذلك، يجب على مراقبي البيانات والجهات الاقتصادية التي يسيطرون عليها أن يأخذوا بالاعتبار حاجة مستخدمي الإنترنت لمزيد من التحكم في كيفية استخدام بياناتهم الشخصية، فضلاً عن الحكومات التي تضع لوائح أكثر صرامة وقوة لحماية مواطنيها.

لا ثقة من قبل المستخدمين

في هذا السياق، تتضارب وجهات النظر. فثقة المستخدم في وحدات التحكم في البيانات تستمر في التراجع تزامناً مع الاستخدام الكبير والمستمر للانترنت. كما أن الصورة ما زالت ضبابية لناحية إدارة خيارات الموافقة على البيانات وإلغاء الاشتراك، حتى في حالة وجود تشريعات تنظم حماية تلك البيانات. وبالتالي، فإن المستخدم لا يمكنه إلغاء الاشتراك في جمع البيانات أو معرفة كيفية استخدام بياناته بعد الجمع.

ووفقاً لدراسة أجريت في عام 2019، شعر حوالى 80% من مستخدمي الإنترنت بأنهم يفتقرون إلى التحكم في بياناتهم الشخصية، وأعربوا عن قلقهم من سوء استخدامها، حيث تفوق مخاطر توفير البيانات فوائدها. ومن المثير للاهتمام، أن أكثر من 60% من المشاركين كانوا على استعداد لمشاركة معلوماتهم مع الشركات مقابل تعويض مالي. وبينما لا توجد طريقة ثابتة للمستخدمين لإدراك القيمة الحقيقية لبياناتهم الشخصية، تتاح الفرصة لمراقبي البيانات في هذا المجال لاستعادة الثقة وبناء شراكات مفيدة للطرفين، وتمهيد الطريق للمضي قدمًا.

الحكومات متأهبة أيضاً

الحكومات على دراية بهذا الواقع. ونشهد اليوم زيادة المواقف الحكومية المنددة باستخدام البيانات الشخصية، ويأتي ذلك بالتوازي مع تنامي وعي المستخدمين. وهذا من شأنه تضييق الممارسات التجارية الحالية للبيانات الشخصية. ويشهد كل عام مشاركة المزيد من تدخل الحكومات في هذا المجال عبر تشريعات جديدة ولوائح يجب على الجميع التقيد بها. ومع زيادة التنظيم في هذا الصدد، فإن الشركات العملاقة تواجه أيضاً غرامات مالية بالملايين.

ويشكل دمج اللوائح الحكومية تحديًا في سبيل ايجاد الحل المناسب. اذ انه من الأسهل بكثير بناء نظام بيئي جديد يتوافق مع هذه اللوائح المفروضة بدلاً من تعديل الممارسات الحالية باستمرار في ظل المناخات السياسية المتغيرة. وذلك يسمح ببناء منصة محمية للمستقبل، حيث يمكن للمراقبين الوصول إلى كميات كبيرة من البيانات بشكل قانوني ومنظم واستغلالها بشكل جيد مما يؤدي إلى استعادة الثقة وبناء شراكة مفيدة للجانبين وفتح آفاق جديدة للتطور.

خطورة مشاركة البيانات

مشاركة البيانات في المجتمع الحديث تحمل درجة عالية من المخاطر، سواءً في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو الخدمات الإدارية. فمشاركة البيانات على نطاق واسع ولأغراض متعددة في عالم متصل رقميًا تعني أن معلوماتنا الشخصية معرضة بشكل متزايد للاختراق وسوء الاستخدام. وعندما نقوم بالتواصل والمعاملات عبر الإنترنت، نكون في العديد من الأحيان عُرضة للكشف عن تفاصيل حياتنا التي يجب أن تظل خاصة بنا فقط.

ولا تقتصر هذه القضية على البيانات المالية فقط، بل تمتد أيضًا إلى معلومات مثل موقع السكن، والأصدقاء، والشركاء، والمعتقدات السياسية، والمشتريات، وحتى البيانات الصحية. بالإضافة إلى ذلك، تقوم الدول في جميع أنحاء العالم بإنشاء نظم هوية رقمية ترتبط بمعلوماتنا الحيوية، وتبني جسرًا بين أنشطتنا الرقمية وحياتنا وهويتنا دون اتصال بالإنترنت. ويمكن أن تصبح هذه الهوية الرقمية هدفًا للاستغلال، سواءً لأغراض تجارية أو سياسية.

من الناحية التشريعية

وفي حين تسعى الحكومات لوضع قواعد اللعبة في ساحة رقمية سريعة التطور، فإنها غالبًا ما تسعى لتحقيق أهداف السياسة والتشريع والحوكمة بطرق تتجاهل فيها وجهات النظر والحقوق والاحتياجات الفردية. فالقوانين التي تُنشأ دون وجود إسهامات من مختلف أصحاب المصالح، بما في ذلك أصوات المجتمع المدني، تعرض السكان المهمشين بشكل خاص لخطر انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. فالقوانين الحديثة المتعلقة بـ "الجريمة الإلكترونية" في دولة عضو في الأمم المتحدة في شمال إفريقيا، بالإضافة إلى قوانين تنظيم وسائل الإعلام، توضح كيف يمكن للتشريعات التي تنظم الفضاء الإلكتروني أن تقوض الحريات المدنية وتجرم أنشطة لممارسة حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق الخصوصية وحرية التعبير. فتلك القوانين تسمح بالمراقبة الشاملة من قبل الدولة وحجب المواقع الإلكترونية ورصد الإنترنت. وعلى سبيل المثال، يتطلب قانون الجرائم الإلكترونية من مزودي خدمة الإنترنت حفظ وتخزين بيانات المستخدمين، بما في ذلك المكالمات الهاتفية والرسائل النصية وسجل التصفح وسجل التطبيق، لمدة 180 يوماً، وجعل هذه البيانات متاحة للسلطات القضائية بدون توفير الضمانات اللازمة لحقوق الإنسان.

المستقبل الرقمي هو هنا بالفعل. حيث أصبح تقريباً كل جانب من جوانب حياتنا رقمياً، لذلك لا بد لنا من التأكد من أن القوانين والسياسات تستند إلى الحقوق الأساسية. إذ يجب أن تمكننا من تلبية احتياجاتنا الأساسية وأن تشكل الحصن الضروري لحمايتنا من سوء استخدام أصحاب السلطات والنفوذ.