Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

 تؤجج درجات الحرارة المرتفعة الحرائق وتعزز حدوث الكوارث البيئية حيث يشهد كوكب الأرض هذه السنة فترة تُصنّف بالأكثر سخونة منذ عقود. فمع بداية صيف 2023، حذّرت الأرصاد الجوية من تداعيات التغيّر المناخي على العالم وذلك يعود إلى ارتفاع الانبعاثات الكربونية والغازات السامة.

لم تسلم شبكات الاتصالات والانترنت من الرياح والأمطار والعواصف الحارّة، هي التي بدأت تظهر عليها نتائج التغيرات المناخية. فما علاقة المناخ بشبكات الاتصالات؟ يتأثر تدفق البيانات عبر الشبكات والألياف الضوئية بشكل مباشر مع اشتداد العواصف. وبحسب الخبراء، تعاني المناطق التي تتميّز بطقسها المتطرّف من مشاكل تقنية كثيرة مما يؤدي إلى ضعف الاتصالات بين المواطنين وانقطاع الانترنت عنهم عند ساعات الذروة.

الاتصالات والانترنت تحت رحمة الطبيعة

تتعرّض شبكات الاتصالات والانترنت إلى ضغوطات على مدار السنة نظراً لتدفق البيانات الهائل والاستخدام المفرط من قبل المستخدمين. وفقاً للدراسات التحليلية، يبدو من الواضح اليوم تأثير الطبيعة على الخدمات الالكترونية ومسار الشركات والقطاعات لحلّ هذه المشكلة بات واضحاً للحفاظ على أعلى جودة من الخدمات والكفاءة. تتنوع شبكات الاتصالات بين شبكات الميكروويف التي تعتمدها أغلب شركات الاتصالات ولا سيّما في مصر، نظراً لسرعة تركيبها. أما النوع الثاني فهو الأقمار الصناعية وهي تتأثر بسرعة الرياح الشمسية أحياناً مما يضرّ بأنظمة الاتصالات والخدمات اللاسلكية في الطائرات وبرامج GPS إلى جانب الأنظمة الالكترونية. والنوع الأخير هو الألياف الضوئية الأفضل في الاتصال ولا تتأثر بالعوامل المناخية والتغيرات الطبيعية المتطرّفة. تنتشر شبكات الألياف الضوئية في المدن وتعتبر الحل الأنسب لضمان الاتصال.

تفادياً لأي تداعيات في هذا المجال يقول خبراء في الهندسة البيئية المدنية والانشائية أنه من الضروري التخطيط لتحديد مسارات الكابلات البحرية وكابلات الانترنت ومحطات الوصول عند اليابسة في كل منطقة والأخذ بالاعتبار التحولات البيئية الموسمية. ففي شمال المحيط الهادئ، تشتد الأعاصير مما يضغط على الكابلات البحرية. بينما في المناطق القطبية يتخوّف من الذوبان الجليدي وارتفاع مستوى المحيطات. ووفقاً للدراسات، يجب الاهتمام بصيانة شبكات البنية التحتية للكابلات الضوئية في البحر نظراً لتأثرها بالتغيرات المناخية التي من المرجّح أن تكون متتالية ومتكررة في السنوات المقبلة.

تنقل الكابلات أكثر من 95% من حركة البيانات الرقمية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك معلومات التداول المالي واتصالات وسائل التواصل الاجتماعي. تتيح الكابلات البحرية العمل عن بُعد والوصول إلى كل الخدمات بمرونة وسهولة، ومع اعتمادنا المتزايد على الانترنت يكون من الضروري على الحكومات تقييم الاضطرابات المستقبلية المحتملة التي قد تنشأ نتيجة التغير المناخي.

وكغيرها من العناصر المتحوّلة في ظلّ عصر السرعة، ستتغيّر شبكات الانترنت في المستقبل حيث ستشهد تغييرات كبيرة في بنيتها التحتية الأساسية التي ستكون شاملة. فمع تسجيل أكثر من نصف العالم تقريباً دخوله إلى الشبكة العنكبوتية، ستكون الشبكات أمام ضغط أكبر مع زيادة الطلب العالمي بحلول عام 2030.

مع ارتفاع حرارة الأرض، سيتراجع أداء أجهزتنا وذلك يعود لأسباب عدّة. سترتفع كلفة التبريد ومولدات الطاقة في مراكز البيانات التي يتم تخزين غالبية الانترنت بها حول العالم، هذا ما سيؤدي إلى تعطلّ التردد الكهرومغناطيسي الذي تنقله شبكة واي- فاي، ويتشوّه بسبب زيادة كثافة أشعة الشمس فوق البنفسجية.

أما المعدات النحاسية التي تستخدم لصناعة وتمديد الألياف الضوئية فسيكون من الصعب ايجادها خلال السنوات العشر المقبلة.

بعد أميركا والصين...الانترنت يلوّث عالمنا

بمعادلة بسيطة، كما أن التغير المناخي يؤثر على شبكات الاتصالات والانترنت فكذلك للانترنت تأثيره على البيئة وهذا ما لا يدركه البعض. قد يكون سلوكنا على الانترنت بسيطاً لكن كلفته تجاه البيئة أكثر من المتوقع.

يُنتج الانترنت انبعاثات سامة نتيجة الطاقة التي يستنزفها لضمان عمل الشبكات اللاسلكية فهو يشكّل نحو 3.7% من انبعاثات الاحتباس الحراري عالمياً، على أن تتضاعف هذه النسبة بحلول عام 2025. بالاضافة إلى مراكز البيانات والخوادم الضرورية لتخزين المحتوى ونقل المعلومات على الشبكة والتي تعزز البصمة الكربونية أيضاً.

تولّد الرسائل الالكترونية كمية من الكربون فهي تمرّ بعشرات من الخوادم وأجهزة التوجية والكمبيوترات التي تستهلك الطاقة فتصبح ساخنة مما يتطلّب تبريدها عبر استخدام موارد اصطناعية أخرى.

يعتبر خبراء التكنولوجيا والطاقة أن كمية التلوّث التي ينتجها الانترنت ومعدات مراكز البيانات توازي الكمية التي تنتجها الصين والولايات المتحدة. فمع تبادل الرسائل الالكترونية وانتقال الأعمال إلى الشبكة الافتراضية بات استهلاك الطاقة أكبر لتشغيل مليارات التطبيقات والملفات والأجهزة الالكترونية.

من الناحية العملية تعتبر الحلول الذكية الأنسب لمساعدة البيئة والمحافظة عل نظافتها إنما عملياً فالموضوع يختلف تماماً. في هذا الاطار، تشير الدراسات إلى تأثير التسوق الالكتروني على البيئة كونه يفرض عمليات تسليم عدّة لمناطق ودول مختلفة وهذا ما يرفع البصمة الكربونية. نظرية أخرى تربط تلوّث البيئة والتسوق على الانترنت بسلوك المستهلك، فبعضهم يقومون بشراء كل ما يريدون دفعة واحدة بينما قسم آخر يقسّم عملية الشراء لمرات عدّة وهذا ما يتطلب دفعات نقل متعددة. بخطوة منها للمساهمة في تخفيض البصمة الكربونية، تسعى شركة أمازون إلى استخدام شاحنات الكهرباء الصديقة للبيئة بحلول عام 2030 على أن تكون انبعاثاتها صفر كربون بحلول عام 2040.

تستهلك شبكات الانترنت كمية كبيرة من الكهرباء فهي تمثّل ما يقارب نسبة استهلاك بريطانيا للكهرباء حتى قبل أزمة كورونا. تمثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من 6 إلى 10% من الاستهلاك العالمي للكهرباء، ويزداد هذا الرقم سنوياً.

تعتبر مراكز البيانات مساهماً أساسياً بتفاقم البصمة الكربونية فهي مسؤولة عن قسم كبير من الانبعاثات العالمية وهي تساهم بما يصل إلى 15% من البصمة الرقمية لقطاع التكنولوجيا وتقنية المعلومات.

تحاول شركات التكنولوجيا معالجة الترسّبات التي تركتها منذ بداية الثورة الرقمية. إلا أن مع استمرار الاعتماد على مصادر الطاقة الملوثّة سيكون من الصعب التوصّل إلى صفر انبعاثات كربونية على المدى المنظور.

الانترنت والبصمة الكربونية

خطوات بسيطة يمكن تطبيقها للحدّ من انبعاثات الكربون الناتجة عن النشاط على الانترنت تبدأ من عدم مراكمة الرسائل القديمة في البريد الالكتروني حيث أنه يتم ارسال كل رسالة من هذه الرسائل إلى مراكز البيانات مما يتطلّب الطاقة والموارد لاتمام كل عملية. حذف الصور غير الضرورية والاحتفاظ بالقسم الآخر ضمن ملف واحد أو على قرص ثابت. هذه العملية ستمنع انتقال الصور إلى مراكز البيانات وبالتالي الحدّ من استهلاك الطاقة أيضاً. ايقاف تشغيل الأجهزة الالكترونية أو الكمبيوتر أو الجهاز اللوحي وتشغيل حالة "standby".

ينتج كل مستخدم انترنت نحو 200 كلغ من الانبعاثات السامة سنوياً خصوصاً وأن غالبية مراكز البيانات والتي تعمل دون توقف، غير مجهّزة بالأجهزة المعالجة للغازات السامّة. أما محركات البحث فتعتبر بدورها من العناصر المنتجة للغازات السامة التي قد تتراوح بين 0.2 غرام إلى 7 غرامات فقط من محرّك غوغل مع ارسال كميّة كبيرة من البيانات وتبادل كميّة أكبر من المعلومات يومياً بين الشركات. أما شركة مايكروسوفت، فأصدرت في عام 2020 حوالي 16 مليون طن من الغازات السامة بينما أمازون أصدرت 44 مليون طن بسبب ارتفاع عدد المتسوقين يومياً. يستهلك جهاز التوجيه الواحد 10000 واط. يقترب مركز البيانات الضخم جدًا من 100 مليون واط، أو عُشر ناتج محطة طاقة حرارية. عند تصفح الويب، يحتاج مستخدم الإنترنت العادي سنويًا إلى حوالى 365 كيلوواط ساعة من الكهرباء و 2900 ليتر من المياه، وهو ما يعادل ثاني أكسيد الكربون المنبعث لمسافة 1400 كلم سفر بالسيارة. كذلك شبكات التواصل الاجتماعي تنتج نسبة كبيرة من انبعاثات الكربون المضرّة ومنها تطبيق تيك توك وفيسبوك.

بينما تنتشر الأجهزة الالكترونية المتصلة بالانترنت تأخذ الشركات مسارها لتخفيف البصمة الرقمية خلال المرحلة المقبلة. ولهذه الغاية تم تطوير آلات خاصة لحساب نسبة الكربون المنتجة من المواقع الالكترونية ومحركات البحث إلى جانب التوجّه نحو اعتماد الطاقة المتجددة لتشغيل مراكز البيانات والخوادم وتنفيذ استراتيجية تخدم شبكة الانترنت الخالية من الانبعاثات السامّة. من دون أن ننسى التداولات بالعملات المشفرة التي تستهلك الكثير من الطاقة، حيث أن التداول بالبيتكوين يولّد 18 مليون طن من الكربون سنوياً.

يعود الاستهلاك المفرط للكهرباء والطاقة لتشغيل محركات وشبكات الانترنت إلى مشاكل هيكلية وتصميمية. إن البنى التحتية للويب كبيرة الحجم من أجل الاستجابة لذروة الاستخدام. يعمل جهاز التوجيه، بشكل عام بنسبة 60% من سعته. ولكن حتى عندما تكون غير نشطة، تستهلك هذه الأجهزة قدراً من الطاقة تقريباً كما هي الحال عندما تعمل بكامل طاقتها، ولا يتم توفير أي مخصص لإيقاف تشغيلها خلال ساعات الذروة. أما من ناحية التطبيقات التي يتم تحميلها على الهواتف الذكية، فتتطلّب نسبة من طاقة الهاتف لذا يحتاج إلى إعادة الشحن مراراً خلال اليوم.

يستمر الطلب على الانترنت بعد انحسار الوباء العالمي إلى جانب التكنولوجيا المبتكرة والحلول الذكية وخدمات البث المباشر. وفقاً للاتحاد الدولي للاتصالات، يستخدم الآن نحو 4.1 مليارات شخص الانترنت حول العالم أي نحو 60% من سكان العالم يساهمون في توليد الانبعاثات الرقمية خصوصاً في الدول النامية والأكثر نمواً، مما يستدعي تطوير البنية التحتية الرقمية وصيانة شبكة الانترنت اعتماداً على الطاقة المتجددة لتمكين تشغيلها وتأمين الاتصال.