Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

قد تكون الشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة الأكثر تأثراً بالأوضاع الجيوسياسية وبتداعيات الأزمة المالية وتراجع الاستثمارات. وبينما تمكّنت بعض الشركات الناشئة من التصدي للتحديات السائدة، لم يتمكن البعض الآخر من توفير التمويل المطلوب للانطلاق.

يُعوّل خبراء التقنية على شركات التكنولوجيا والمشاريع الناشئة خلال فترة الأزمات حيث  تبرز مكانتها بشكل أكبر في السوق على عكس الشركات التقليدية. أما انتشار وباء كورونا فكان تجسيداً حقيقياً لذلك حيث تمكّنت الشركات الرقمية والمتقدمة تقنياً من النمو والاستمرار في الأعمال افتراضياً وتحقيق الأرباح بشكل طبيعي. ويرتبط تقدم الشركات الناشئة بعوامل عدّة تشمل تجهيز البنية التحتية الرقمية، توفير الموارد والبرامج المطلوبة وصولاً إلى دعم المهارات والخبرات التقنية وتحديث الأنظمة الرقمية. وعلى رغم التأرجح المالي، شهدت الشركات الناشئة ارتفاعاً بإجمالي التمويل الاستثماري خلال النصف الأول من العام 2023 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليبلغ 1.6 مليار دولار إنما يوجد بعض التحديات التي تعيق هذا النمو.

إستثمارات المشاريع الناشئة في المنطقة العربية بين التحديات والفرص

تعتبر المنطقة العربية نقطة استقطاب للاستثمار بالشركات الناشئة لتشكل سوقاً جديداً لها حيث تصدّرت المملكة العربية السعودية من حيث قيمة التمويل التي بلغت 25 مليون دولار لتليها الامارات العربية المتحدة التي حصدت شركاتها الناشئة 6 ملايين دولار. ففي العام 2022، شهدت الشركات الناشئة أداءً مميزاً في المنطقة وبحسب المعلومات تمكّنت أكثر من 50 شركة ناشئة من جمع تمويل بلغ قدره 3.2 مليارات دولار بزيادة نسبتها 6.7% مقارنةً بالعام 2021. كذلك وصل عدد الشركات الناشئة في لبنان إلى ألفي شركة مع امتلاك كل المقوّمات المطلوبة لدعم هذه الشركات. إلا أن في العام 2020 خرج لبنان عن سباق الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط بتراجع قدّر بنحو 78% بعدما حقق هذا القطاع نمواً كبيراً تراوح من 70% إلى 90% في أواخر عام 2018. ويعود هذا التراجع إلى نقص في التمويل، ركود في الاستثمارات والأعمال في السوق اللبناني نتيجة لانتشار الوباء وآخر التحديات كان كارثة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020 الذي فاقم الأزمة.  بينما في الشرق الأوسط وأفريقيا كان المشهد مختلفاً حيث ارتفعت الاستثمارات في الشركات الناشئة  بنسبة 35% خلال الفترة نفسها.

خلال فترة وجيزة تمكّنت الشركات الناشئة من تحقيق تقدم بارز نظراً لأهميتها في المنطقة إلا أنها قد تصطدم ببعض التحديات اللوجستية أو القانونية أو المالية مما يحدّ من عملية نموها. يشير خبراء بهذا المجال إلى أهمية التمويل لاستمرارية الشركات الناشئة بالاضافة إلى كيفية ادارة أعمال الشركة بالشكل المطلوب. من الناحية القانونية، تلعب سياسة الحكومات دوراً بارزاً في هذا الاطار لدفع مشاريع الشركات الناشئة إلى الأمام أو تُقيّد عملها. ومع غياب المهارات والمؤهلات الاقتصادية والاجتماعية، يصبح من الصعب تبني الابتكارات الجديدة والأفكار الناشئة أو استيعاب تداعياتها.

استناداً إلى التوجه العام، لا تغيب المعايير البيئية عن شروط نجاح الشركات الناشئة وقدرتها على خفض الانبعاثات الكربونية أو الحدّ منها؛ وهذا ما يُعتبر من التحديات المتمثلة في وقت تنضم فيه السياسة البيئية إلى جدول مشاريع الحكومات والمؤسسات والأفراد والمستثمرين على حد سواء.  

مشكلة أخرى تُضاف إلى المشاكل التي تواجهها الشركات الناشئة ألا وهي البنوك التي لا تزال حتى اللحظة تجهل التعامل مع هذا النوع من الشركات أو حتى تصنيفها. ولهذا السبب من المطلوب وضع أطر تنظيمية لتعامل البنوك مع الشركات الناشئة ودعم تمويلها وبالتالي فتح مجال أكبر لتوسّع الأفكار الجديدة. وفقاً للأرقام، تتراوح الكلفة المتوسطة لانشاء شركة ناشئة بين خمسة إلى عشرة آلاف دولار كحد أدنى.

خطوات ناقصة تعيق تقدم الشركات الناشئة

غالباً ما تكون التحديات التي تواجه الشركات الناشئة مرتبطة بالتكتيك الداخلي الضعيف بالاضافة إلى التأثر بالوضع المحيط أمنياً واقتصادياً. إذاً، ما هي الأخطاء التي تعيق تقدم الشركات الناشئة في هذه الحالة؟

غياب الحلول: لأن الشركات الناشئة معرّضة أكثر من غيرها لعدد أكبر من المشاكل خصوصاً خلال الفترة الأولى من انشائها، قد تغيب عن فريق العمل الطرق المناسبة لمعالجة الأزمة بالشكل المناسب. ففي وقت يتم التركيز فيه على تعددية الخدمات لتلبية العميل بدلاً من كيفية تعزيز تجربته تصبح الحلول أكثر تعقيداً.

عدم الاستجابة إلى متطلبات العملاء: قد توافق توقعات العملاء القدرات الفعلية للشركة الناشئة. هنا تقضي المسؤولية أولاً بفهم متطلبات العميل والعمل على تحقيقها، تحديد الجمهور المستهدف، من هم المستفيدون من الخدمات؟ وما الخدمات المقدمة بالتحديد؟

غياب الاستراتيجية: من المهم أن تتبع الشركة الناشئة خطة استراتيجية تسهل من خلالها سير عملها وتضمن استمراريتها للمدى الطويل. إلا أن مع غياب الرؤية حول هدف قيام الشركة وتحديد المنتج الذي تقدّمه تُفقد السيطرة فتقع الشركة الناشئة سريعاً بالفخ لعدم تحديدها المشكلة وطريقة الحل والميزانية المطلوبة في هذه الحالة مما قد يتطلّب مزيداً من الوقت دون جدوى.

الشركات الناشئة وتأثيرها على الاقتصاد

إلى جانب مواكبة النمو والتطوّر، تدعم الشركات الناشئة الاقتصادات العربية فهي تعتبر اليوم من المفاهيم الأساسية لتحفير النمو الاقتصادي داخلياً وتعزيز المنافسة وتحقيق الاستدامة. تتيح الشركات الناشئة فرص عمل أمام المهارات الشابة كما أنها تساهم في سدّ الفجوة الرقمية محلياً مع توفيرها الخدمات الرقمية التي تلبي احتياجات السوق والعملاء. كما لا بدّ من الاشارة إلى الدور الكبير الذي تلعبه الشركات الناشئة في جذب الاستثمارات الخارجية إلى البلاد مما يحرّك الاقتصاد ويوسّع العمليات الاستثمارية أيضاً.

بإبتكارات جديدة وأفكار حديثة، تدعم الشركات الناشئة الاقتصاد المحلي لتغيير بيئة العمل والارتقاء بتجربة المستخدم وهذا ما تفتقر إليه الشركات التقليدية الكبيرة مع ابتعادها عن تحقيق الرؤية المبنية على التقنية. فبعد الجائحة أصبحت فكرة المشاريع الناشئة راسخة لدى المستثمرين لتحسين المجتمع من جهة والتأكيد على أهمية دمج التكنولوجيا في الأعمال.

يتفاوت مدى تأثير الشركات الناشئة على الاقتصاد بين دولة وأخرى حيث يتراجع التأثير الايجابي في الدول ذات القدرات الرقمية المحدودة. كما تتفاوت نسبة التمويل المالي المطلوبة نسبةً لحجم الشركة ومرحلة تطورها، فمنها ما يحتاج إلى رأس مال استثماري بينما يتم تمويل القسم الآخر من الشركات من خلال حملات التمويل الجماعي أو عن طريق المنظمات الحكومية. كما يتوافق وجود الشركات الناشئة مع استراتيجية تحسين واقع السوق وتعزيز الناتج المحلي الاجمالي ومساعدة الشباب على ترجمة أفكارهم وتنفيذ مشاريعهم.

مستقبل الاقتصاد في ظلّ التحولات

تحوّل الشركات الناشئة نهج الأعمال والاقتصاد مع الاهتمام بالتكنولوجيا أكثر واعتماد الحلول الرقمية. كما ستعيد هذه الشركات النظر بسوق العمل حيث ستوفّر مساحة أكبر لمهارات ومواهب رقمية متخصصة بالأتمتة والرقمنة للعمل بكفاءة عالية. على هذا الخط، تتوقع الدراسات دخول نحو 127 مليون شاب إلى سوق العمل بحلول عام 2040. هذا ويعتمد العديد من الدول على الشركات الناشئة لتعزيز النمو الاقتصادي خصوصاً تلك التي تسعى لتحقيق التحول الرقمي الشامل.

بعيداً عن الانكماش الاقتصادي العالمي، من المتوقع ازدهار الشركات الناشئة في المرحلة المقبلة مع التركيز أكثر على الخدمات الرقمية المميزة لمنافسة الشركات الكبرى. هذا وتحرص دول الشرق الأوسط وأفريقيا على تقديم مزيد من الفرص للشباب ودعم الشركات الناشئة على وجه الخصوص في بيئة تحوي الابتكارات على أنواعها ومُحفّزة للمشاريع المستقبلية.