Advertisement

منتهي الصلاحية
تقارير وتغطيات
Typography
  • Smaller Small Medium Big Bigger
  • Default Helvetica Segoe Georgia Times

منذ انتشار الهواتف الخلوية عالمياً انصب اهتمام الخبراء والباحثين على شبكات الاتصالات التي جسّدت مفهوماً جديداً لطرق التواصل اللاسلكي حول العالم. ولم تتوقف التوقعات بشأن نمو الاتصالات ومستقبلها حيث باتت الشركات تتنافس على تطوير قدراتها باستخدام أهم الابتكارات وفي المقابل لجذب المزيد من المستهلكين.

استثمرت شركات الاتصالات بالمليارات في تشغيل شبكة الجيل الخامس وتركيبها  بين 2018 و2024 وتخضع الحكومات في المنطقة وحول العالم إلى دورات تحديث متتالية لاستخدام هذه الشبكة واعتماد أكثر الحلول تطوراً للاستجابة إلى متطلبات العملاء المتغيرة باستمرار. كما أنفقت هذه الشركات أيضاً على مدى سنوات طوال مبالغ لتشغيل الأجهزة الالكترونية والهواتف المحمولة وتمكين المستخدمين من اتمام أعمالهم على الانترنت بسرعة ودقة من دون أي عائق.

ومع تطور التكنولوجيا والثورة الرقمية، شهدت شبكات الاتصالات تطوراً ملحوظاً يحاكي العصر الحديث فمنذ اصدار تقنية الجيل الثاني في عام 2000 واطلاق الجيل الثالث في العام 2021 وزيادة عدد المشتركين فيها حول العالم، تحولت الأنظمة العالمية للاتصالات مع اعادة تعريف الاقتصاد الذي بات قائماً على الاستثمارات في الرقمنة والانترنت.

 وبعد الجيلين الثالث والرابع يُعد الجيل الخامس اليوم من أحدث التقنيات التي ساهمت بتغيير القطاعات وكيفية استخدامها للانترنت للاستجابة إلى مهام متعددة بسرعة أكبر. قد تشكل شبكة الجيل الخامس 50% من اجمالي شبكات الاتصالات في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا مع توقعات بوصول استثمار شركات الاتصالات في المنطقة بهذه التقنية إلى 97 مليار دولار بحلول عام 2030 وتحقيق ايرادات تبلغ 88 مليار دولار مع نهاية العقد الحالي. تم اعتبار شبكة الجيل الخامس "شبكة الخلاص" للانشطة على الانترنت، فهي ليست مجرّد شبكة متطورة فحسب بل هي عنصر من أهم العناصر التي غيّرت حياتنا مع الثورة التكنولوجية على مختلف المستويات. وبين الوعود والأفعال على أرض الواقع، كيف كان أداء الجيل الخامس طيلة هذه السنوات. هل كانت هذه الشبكة على قدر التوقعات والأحلام التي بُنيت على أساسها؟ أم أنها ما زالت محدودة الخدمات؟

الجيل الخامس بين الجيلين الرابع والسادس

بمجرّد التفكير بشبكات الاتصالات تكون "السرعة" العنصر الأهم لتحديد نجاح الشبكة أو فشلها مقارنةً بالشبكات السابقة. ومع الانتقال من الجيل الثاني إلى الجيل السادس، حملت كل شبكة مميزاتها الخاصة فكيف يمكن تقييم أداء الجيل الخامس بين الجيلين الرابع والسادس؟

من ناحية السرعة، تصل شبكة الجيل الرابع إلى سرعات قصوى، 100 ميغابت في الثانية، بينما تتمتع شبكة الجيل الخامس بسرعات أكثر بمئة مرة من الجيل الرابع. وفي الوقت نفسه، تسجل شبكة الجيل السادس سرعات تصل إلى مئات من الغيغابايت أو حتى التيرابايت في الثانية. تتمتع شبكة الجيل السادس بسعة تتراوح بين 50 و100 ضعف سعة الجيل الخامس مع تمثيل وقت استجابة منخفض مقارنةً بالجيلين.

أما من ناحية السعة، فتدعم شبكة الجيل الخامس مليون جهاز لكل كلم مربع مقابل ملايين من الاجهزة التي تدعمها شبكة الجيل السادس أي بين 50 و100 ضعف سعة الجيل الخامس. تتعامل شبكة الجيل الخامس مع عدد كبير من البيانات، أكثر من الجيل الرابع وأقل من الجيل السادس.

لشبكة الجيل الخامس عرض نطاق أكبر من الجيل الرابع مع استخدام الطيف المتاح بكفاءة أكبر منقسمة إلى 3 نطاقات مختلفة. بينما تستخدم شبكة الجيل الرابع شبكة من الطيف المتاح من 600 ميغاهرتز إلى 2.5 جيغاهرتز. أما شبكة الجيل السادس فتستخدم ترددات عالية من الطيف الراديوي تصل إلى 300 غيغاهرتز أو أكثر.

انطلاقاً من الجيل الرابع مروراً بالجيل الخامس وصولاً إلى الجيل السادس، رسمت كل شبكة على حدة صورة فريدة لتجربة الاتصالات. فهي تتيح للمستخدم فرصة للتفاعل والتواصل والارتباط بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي بسرعات متفاوتة بالتأكيد. ومن خلال هذه الشبكات، ظهر مفهوم جديد للعمل والتعلم واتمام المهام على الانترنت والاستفادة من التطبيقات الذكية في الحياة اليومية خصوصاً تلك التي تتطلب ترددات عالية واتصالاً سريعاً وزمن استجابة منخفضاً.

تتأثر المنطقة بهذه الشبكات والخدمات التي تقدمها لتحقيق التنمية التكنولوجية والنمو الاقتصادي في البلاد. فتتمثل أهمية هذه الشبكات بسرعاتها الفائقة التي تجعل عالم الانترنت سهل المنال من مختلف نواحيه. يشكل الانتقال من شبكة إلى أخرى خطوة كبيرة على مستوى المؤسسات والحكومات والشركات في القطاع العام والقطاع الخاص لزيادة القدرة على التأقلم والتكيف مع الواقع الجديد ومواجهة التحديات التي تأتي بها الشبكة الجديدة على مستوى البنية التحتية والمجتمع والاقتصاد وتطوير الأجهزة لتتوافق مع الشبكة المعتمدة.  وممكن أن تتعرّض الدول مع انتقالها من شبكة إلى أخرى لتهديدات الكترونية بشكل أوسع مما يشكل دافعاً لاعتماد استراتيجية خاصة لتطبيق الحماية الالكترونية والحد من التهديدات السيبرانية المترافقة مع شبكة الاتصالات.

لا، لا يمكن اعتبار شبكة الجيل الخامس شبكة "فاشلة" انما أساس المشكلة يكمن بالتحديات التي تمثلها هذه الشبكة وزيادة الطلب وحالات الاستخدام التي يمكن دعمها بهذه الشبكة والتوقعات المبالغ فيها والآمال الموضوعة على الجيل الخامس. في هذه الحالة، ستبقى المقارنة مستمرة بين الأجيال الخامس والرابع والسادس بين شركات الاتصالات وخدمات البث وشركات النطاق العريض. فلا يمكن اعتبار شبكة الجيل الخامس نموذجاً ناجحاً 100% مقابل التقنيات المقبلة والقدرات التي ستقدمها للعملاء والمستثمرين.

تُعوّل شركات الاتصالات على ايراداتها السنوية الضخمة لتأمين تغطية كاملة للجيل الخامس وانتشارها في المناطق النائية.

كلفة عالية وإيرادات محدودة

تُعوّل شركات الاتصالات على ايراداتها السنوية الضخمة لتأمين تغطية كاملة للجيل الخامس وانتشارها في المناطق النائية.  لكن فكرة أن الجيل الخامس سيوفر ايرادات هائلة وسريعة لم تُطبق في كل الحالات كما كان متوقعاً. مقابل ذلك، لم يكن تركيب هذه الشبكة ونشرها كما كان مخططاً له حيث تجاوزت كلفة هذه العملية 6 مرات كلفة نشر وتركيب شبكة الجيل الرابع ويعود ذلك إلى عناصر عدّة تتمثل بأن شبكة الجيل الخامس تتطلب معدات كثيرة لكل ميل مربع من تغطية الاشارة في المناطق، كما تُعد شبكة الجيل الخامس أكثر كثافة مقارنةً بالشبكات الأخرى. كما أن عملية التركيب والنشر تتطلب انفاق مزيد من الأموال لتركيب الآلات المطلوبة وتزويد العملاء بالأجهزة الالكترونية التي تدعم الجيل الخامس والتي يسهل التعامل بها. هذا بالاضافة إلى تكاليف الصيانة السنوية لأبراج الاتصالات الخاصة بشبكة الجيل الخامس فهي تستهلك كمية أكبر من الطاقة الكهربائية مقارنةً بالجيل الرابع. وعلى الخط نفسه، تشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من المستهلكين لم تكن على استعداد لدفع زيادات للاشتراك في الشبكة شهرياً أو للترقية من الجيل الرابع إلى الجيل الخامس. ولم يكن أمام الشركات خيار آخر إلا زيادة رسوم اضافية على خدمات الشبكة مما أثار عدم استقرار في الاسواق المحلية.

في ظلّ هذا الواقع، بحث مشغلو الاتصالات بالحلول الممكنة لتخفيض الكلفة لتبني شبكة الجيل الخامس وكان ذلك من خلال تطبيق معيار شبكة الوصول الراديوي المفتوحة التي تخولهم اختيار المعدات والبرمجيات اللازمة ودمجها مع مختلف الشركات. هذا الأمر لا يلزم الشركة بشراء كل المعدات من مورّد واحد مما يزيد المنافسة بين الموردين ويكون له تأثيره الايجابي مع خفض الأسعار في السوق ويساهم بتسريع تبني الجيل الخامس وتوسيع نطاق الشبكات في مختلف المناطق. ومن الطرق الأخرى نذكر:

الشبكات غير المستقلة: تضمن شبكات الجيل الخامس غير المستقلة ربط محطات الجيل الخامس الأساسية بشبكة الجيل الرابع. تعمل الشبكة الأساسية على جمع البيانات وضمان وصولها بسرعة بالاضافة إلى ادارة المكالمات والرسائل النصية والتحقق من هوية المستخدم.

اعتماد تقنية المشاركة الديناميكية للطيف الترددي: تضم هذه التقنية ارسال اشارات الجيل الخامس عبر ترددات مخصصة في الأساس لشبكة الجيل الرابع. إذ لا يمكن ضمان أداء هذه التقنية فقد تكون أسوأ من الشبكات السابقة في بعض الحالات وخصوصاً عند تداخل شبكتين مما يخفّض كفاءة الاتصال. وفقاً للجمعية الدولية لشبكة الهاتف المحمول، أعلنت 211 شركة اتصالات في 122 دولة عن شبكات الجيل الخامس لديها لكن 57 دولة فقط كانت تقدم خدمات الجيل الخامس المستقلة بالكامل.

 شهدت منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وآسيا تقدماً كبيراً في عمليات اطلاق الجيل الخامس بهدف مواكبة التطور الرقمي والتكنولوجيا 

ترددات الجيل الخامس في المنطقة

لا تزال الايرادات محدودة مقابل كلفة عالية لنشر الجيل الخامس. وخلافاً لمناطق أخرى، شهدت منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وآسيا تقدماً كبيراً في عمليات اطلاق الجيل الخامس بهدف مواكبة التطور الرقمي والتكنولوجيا وتعزيز اقتصاد البلاد ضمن خطة حكومية واستراتيجية وطنية خاصة.

تم تجهيز المنطقة الآسيوية بأبراج الجيل الخامس وشبكاته حيث شهدت الشركات في هذه المنطقة منافسة كبيرة مع زيادة الأجهزة الالكترونية المتصلة والطلب على خدمة سريعة أكثر موثوقية لتحسين العمليات التشغيلية. إلا أن هذا الأمر لم يحقق أرباحاً كبيراً بالنسبة لشركات الاتصالات في آسيا على عكس ما كان متوقعاً. يعتقد الخبراء أنه من المبكر تحديد ربحية مشغلي شبكات الاتصالات من الجيل الخامس في آسيا والمنطقة.

بينما على مستوى الخليج، توقعت شركة اريكسون الشرق الاوسط وأفريقيا زيادة في الايرادات المحتملة لمشغلي الاتصالات في شبكات الجيل الخامس في الامارات لتصل إلى 3 مليارات دولار مع العام المقبل. وتعتقد الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات في الدولة، وصول قيمة الاستثمارات في مشاريع تطوير البنية التحتية وشبكة الاتصالات، إلى نحو 35 مليار درهم خلال السنوات الخمس الماضية، لتتوافق مع تقنيات الجيل الخامس.

رغم التحديات المتمثلة، تعمل منطقة الشرق الاوسط والخليج على ادارة الشبكات فيها لتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات الذكية والأجهزة الذاتية لمحاولة الحد من الأعطال وعدم التوقف عن العمل.

وخلال نشر الجيل الخامس في المنطقة ودراسة امكانية توسعه أكثر، يبدأ العمل على تطوير شبكات الجيل الخامس المتقدم 5G-A، التي تتميز بسرعتها الفائقة. تحمل هذه الشبكات وعوداً كبيرة للأسواق. في الوقت نفسه، بدأ الحديث عن نشر شبكات الجيل السادس وضرورته للتطبيقات الذكية والألعاب الالكترونية والأجهزة المتصلة بالانترنت التي تتطلب سعة أكبر من تلك التي توفرها شبكات الجيل الخامس.

لا يزال انتشار الجيل الخامس بالفعل مرتبطاً بمسألة العرض والطلب من قبل الشركات والمؤسسات والحكومات والعملاء. ترتبط فعالية الجيل الخامس بمتطلبات السوق اذ ان هذه الشبكة تحتاج إلى التطوير والتحديث بشكل دائم لمواكبة سرعة العصر وتكون قادرة على تحويل القطاعات الرئيسية والسماح للشركات بالاستفادة من الاتصالات الفائقة والتطبيقات المدعومة من الذكاء الاصطناعي لتحقيق كفاءة أكبر توازي القوة المتوقعة من هذه الشبكة التي أصبحت عاملاً محورياً اليوم لنمو الأعمال.  

توازياً مع النمو السريع، سيكون تبني الجيل السادس أسرع من المتوقع للانتقال إلى اتصالات أسرع. وتتصدر منطقة الشرق الاوسط في تخصيص قدراتها والكفاءات الموجودة فيها للتوسع في هذه الشبكة خلال السنوات المقبلة وتبني التقنيات المستقبلية بما يتناسب مع عدد كبير من الاستثمارات الموجودة حالياً.

الثورة الرقمية تجعل الانتقال إلى الجيل السادس خطوة حاسمة والاستفادة الكاملة من كل امكانات الشبكة التي تعتبر ضرورية لمختلف أنماط الاستخدام.

كما تلعب البنية التحتية الرقمية وشبكات الاتصالات دوراً أساسياً في الاستراتيجية الوطنية لدول المنطقة التي تطمح الى تحقيق التنمية المستدامة. ويعتقد الخبراء أن استخدام الجيل الخامس خلال السنوات المقبلة لن يعود كافياً للتطبيقات التي سنستخدمها والتي ستتطلب دعماً أكبر من البرمجيات والتقنيات. فنحن لا نحتاج إلى شبكة رقمية سريعة فقط بل نبحث عن  شبكة تستجيب لمتطلبات السوق وتعزز التجربة الرقمية فائقة السرعة.

تحديات اعتماد الجيل الخامس

بينما شهد الجيل الخامس توسعاً ملحوظاً في المنطقة داعماً شبكات الاتصالات في بعض الدول التي استفادت من هذه الثورة، واجهت دول أخرى تحديات في اعتماد هذه الشبكة مما شكّل فجوة كبيرة على مستوى الشرق الاوسط. يُعد نشر شبكات الجيل الخامس أكثر تعقيداً  مقارنةً بالأجيال السابقة بالنسبة لبعض الدول العربية والأفريقية مما حتّم عليها التمسّك بالجيل الرابع وحتى الثالث. فخلافاً للجيلين الرابع والثالث، لا يُمكن الاعتماد فقط على أبراج الاتصالات الخلوية الحالية لنشر شبكات الجيل الخامس؛ بل يتطلب الأمر إيجاد مواقع جديدة لتركيب المعدات والشبكات الحديثة. لا يقتصر نشر شبكات الجيل الخامس على استبدال الأجهزة المماثلة، بل يتضمن غالبًا أنواعًا جديدة من الأجهزة التي يجب تركيبها بشكل مختلف عن أجيال الشبكات السابقة.

إلى جانب ذلك، يُعد الجانب المالي والقدرات الاستثمارية المحدودة من العناصر الأساسية التي منعت توسع الجيل الخامس وأبقت هذه الشبكة في مراحلها التجريبية في بعض الدول مثل لبنان، مصر، العراق، اليمن وغيرها في آسيا وأفريقيا.

يتطلب توسيع الجيل الخامس تطوير البنية التحتية الرقمية وتحديث الشبكة في الدولة وقد تكون قدرات بعض الدول محدودة في هذا الاطار وغير جاهزة للاستثمار في تحديث الشبكات في الوقت الراهن.

هذا بالاضافة إلى المشاكل القانونية في تخصيص الترددات المطلوبة لتشغيل الجيل الخامس وضمان عدم تداخل الترددات السابقة مع الجديدة. ولا يغيب الأمن السيبراني عن أولويات الحكومات في حال اختارت التوسع في الجيل الخامس. فإن انتشار الشبكة الجديدة يضع الحسابات تحت تهديدات الكترونية أكبر وعلى مستوى أوسع مما يتطلب استراتيجية خاصة لحماية الأفراد وضمان سلامة البيانات والاتصالات والمعلومات إلى جانب السرعة والدقة.  

بعد خمس سنوات من انطلاق عصر الجيل الخامس وانتشاره، لا تزال  وعود عدّة غير محققة بعد.

هل في شبكة الجيل الخامس خيبة أمل؟

بعد خمس سنوات من انطلاق عصر الجيل الخامس وانتشاره، لا تزال  وعود عدّة غير محققة بعد. يشعر العديد من المستهلكين والشركات بخيبة أمل لتوقعهم تغييرات ثورية نتيجة اعتماد هذه الشبكة ولكن لم يكن الواقع كذلك فحسب: عالم يتميز باتصالات فائقة السرعة في كل مكان، ومركبات متصلة ذاتية القيادة، ومجتمع رقمي مدفوع بالعديد من أجهزة استشعار إنترنت الأشياء. وبينما لا تزال هذه الاستخدامات على خريطة الاحتمالات، فإن تسويق قطاع الاتصالات لتقنية الجيل الخامس أعطى انطباعًا بأنها ستكون متاحة فورًا في عصرنا الحالي. يكمن جوهر المشكلة في عدم وجود تمييز واضح بين شبكات الجيل الخامس وخدماته الفعلية.

لم تكن حالات الاستخدام المحتملة التي حُددت في المرحلة الأولى من تطوير تقنية الجيل الخامس سوى قائمة عصف ذهني وضعها باحثو الاتصالات المكلفون بالتنبؤ بما قد يتطلبه الأمر بعد عشر سنوات. وللأسف، بدأ قطاع الاتصالات بالترويج لها بكثافة للجمهور، مما أعطى انطباعًا بأنها الخدمات الحقيقية التي سيدعمها الجيل الخامس لاحقاً. والآن، وبعد مرور خمس سنوات على شبكات الجيل الخامس دون أيٍّ من هذه الخدمات التي تحمل علامة الجيل الخامس، ليس من المستغرب أن يُصاب الأفراد والشركات بخيبة أمل.

سيُحدد المستقبل الخدمات المبتكرة التي يُمكن بناؤها بالاعتماد على البنية التحتية لشبكة الجيل السادس، وموعد توفرها، وكيفية تحقيق الربح منها.

بناءً على هذه التجارب تتسارع مراحل تطوير الجيل السادس للمرحلة الثانية. فخلال السنوات الخمس المقبلة، سيتم توحيد تقنية شبكة الجيل السادس وتطويرها لتحقيق كل الأهداف التي كانت متوقعة من الجيل الخامس. يمكننا أن نتوقع بداية عمليات نشر شبكات الجيل السادس حوالي عام 2030 وأن توفر في البداية أداءً وكفاءة أفضل للخدمات الموجودة. في عام 2035 سنشهد على نموذج جديد من الخدمات، ونأمل أن تخلق تدفق إيرادات جديدة لمشغلي الشبكات. قد تتطلب هذه الخدمات وظائف جديدة يوفرها الجيل السادس، مثل الذكاء الاصطناعي واستشعار الرادار والتغطية الشاملة. كما يمكن أن ترتبط الخدمات الجديدة بالواقع المعزز والافتراضي والأتمتة لترسم ملامح المرحلة المقبلة.

حالياً يكمن جوهر تطوير تقنية الجيل السادس التي تُمكّن من توفير أداء أفضل في الاتصالات والتحديد المحلي والاستشعار. سيُحدد المستقبل الخدمات المبتكرة التي يُمكن بناؤها بالاعتماد على البنية التحتية لشبكة الجيل السادس، وموعد توفرها، وكيفية تحقيق الربح منها. يجب أن نتذكر أن التغييرات الجذرية تتطلب الكثير من الوقت، وغالباً ما تختلف عن الرؤية الأولية.

ترتبط استمرارية الجيل الخامس بحالات الاستخدام المستقبلية في السوق وعلى مستوى العملاء. وفي حال استمرينا بهذه التحولات السريعة، سيكون للجيل الخامس تاريخ انتهاء مقابل ظهور الجيل السادس الذي سيلبي الخدمات الحديثة مع التركيز على كل مراحل التطور. فإذا كان التفاؤل مطلقاً بالنسبة لوجود الجيل الخامس في السابق، فإن توقعات الجهات الفاعلة الداخلية والخارجية تختلف تماماً بالنسبة لمستقبل هذه الشبكة حيث يعتبرون أنه لا يزال من المبكر تأكيد نجاح هذه الشبكة أو تحديد فشلها.

رغم التناقضات، تجسّد شبكات الجيل الخامس رؤية ديناميكية لشبكات الاتصالات ومستقبلها لتسهيل الأعمال. في عصر التحولات السريعة التي يقودها الذكاء الاصطناعي ولضمان استمرارية الشبكة خلال العقود المقبلة بالتوازي مع الشبكات الصاعدة، يجب على مشغلي الاتصالات التركيز على الشفافية وتقديم قيمة حقيقية للجيل الخامس والأجيال اللاحقة تعزز التحول الرقمي الشامل ووجود التكنولوجيا في حياتنا وعلى كافة الأصعدة. فبعد نجاح الجيل الخامس وتعثره، هل سيكون مصير الجيل السادس مماثلاً أم أنه سيواكب كل الاحتياجات مهما اختلفت ليسدّ الفجوة الرقمية؟